تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فما كان على علماء الأمة إلا أن يسيروا على هذا المنهاج القويم و الصراط المستقيم الذي رسمه لهم نبيهم المصطفى و رسولهم المجتبى، محمد عليه الصلاة و السلام، و صار عليه خلفاؤه من بعده و أئمة الدين و علماء الأمة الذين ألفوا في كل باب و خاضوا غمار كل فن، و غاصوا في بحر كل علم، فكانوا خير وارث لخير مورث. و ما مصنفاتهم التي بين أيدينا و التي نسمع عنها إلا أكبر شاهد على ذلك.

و إذا كان القوم قد ولوا و تركوا آثارهم عليهم شاهدة، فإن حكمة الله و رحمته بهذه الأمة اقتضت أن تكون بطن الإسلام بأضعاف أمثال هؤلاء ولود، و إن لم يبلغوا مراتبهم العلمية، فإن المتأخر عالة على المتقدم، و لولا البخاري لما راح مسلم و لا جاء.

و المقصود – أن علماء الإسلام حملوا الرسالة و صنفوا التصانيف، فكان من جملة ما ألفوا فيه " السياسة الشرعية " فيما يتعلق بشؤون الراعي و الرعية، أو ما يصطلح عليه في عصرنا بالفقه السياسي، مع اختلاف في المباحث و الطرق إلا أن القصد واحد و الهدف مشترك، وهو تحديد المعالم و الأصول الكلية التي ينبغي أن يسير عليها المجتمع الإسلامي مع تحديد العلاقة بين الحاكم و المحكوم و ما على كل منهما من حقوق وواجبات اتجاه الآخر إضافة إلى البحث عن شرائط الإمامة و أحكامها و موجباتها و قواعدها، وكل ما يتعلق بها من كليات و جزئيات كالوزارة و الولاية و الأموال و الجهاد و الحدود .... إلخ.

و سيعمل الباحث من خلال هذه الفصول و المباحث على دراسة الفكر السياسي عند واحد من أكبر رجالات الفكر الإسلامي عموما و السياسي خصوصا، وهو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني – رحمه الله- (419 - 478 ه) الذي خاض في فن السياسة و بين أحكام الإسلام في الإمامة في أبواب مختلفة و متفرقة من كتبه ثم في كتابه المفرد في هذا الباب و الموسوم " بغياث الأمم في التياث الظلم " و المشهور بين العلماء و طلبة العلم " بالغياثي " و الله أسأل أن يلهمني الصواب و أن يوفقني إلى الرشاد إنه ولي ذلك و القادر عليه.

و لا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الخالص إلى أستاذي الدكتور الفاضل أحمد الريسوني الذي أمدني ببعض المصادر و أرشدني إلى البعض الآخر كما لعب دورا مهما في صياغة هذه الدراسة و تقسيم محاورها و مباحثها و عنونة بعضها بما يليق بالمواضيع المندرجة تحتها.

و الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم على رسوله محمد و على آله و صحبه أجمعين.

و كتبه: منير المرود – سلا.

في الجمعية 30 محرم 1426

الموافق 11 مارس 2005

تمهيد:

إن دراسة الفكر السياسي لدى إمام من الأئمة تستدعي الإحاطة بالظروف السياسية و الإجتماعية و الثقافية التي واكبت عصره، و أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر في تبنيه لجملة من الأفكار و الآراء.

و معلوم أن كل فكر دينيا كان أم سياسيا أم اجتماعيا أم اقتصاديا ... لا بد أن يكون للواقع الذي يعيشه صاحبه، و الأحداث التي تحيط به أثرا بالغا في صياغته و بلورته، بل – قد لا أبالغ إن قلت – هو وليد لتلك الظروف التي عاصرها و الوقائع التي شاهدها.

و بما أن إمام الحرمين رحمه الله قد عاش في القرن الخامس للهجرة و شهد مختلف التقلبات السياسية التي واكبت العصر، من سقوط دول و قيام أخرى، وضعف بعضها و قوة البعض الآخر، فلا شك أن هذه الأحداث سيكون لها الأثر الواضح في صياغة فكره و تبنيه لبعض الآراء السياسية و الفكرية التي ظهرت لأول مرة في مسرح الفكر الإسلامي، كتدشينه القول بدولة السلطنة، و تعدد منصب الخلافة عند الضرورة – خلافا لما كان مسلما من قبل من القول بالمنع مطلقا – و عدم تجويزه لمبالغة الإمام في التعزيرات و تردده في النسب القرشي و تنظيره لخلو الزمان من الإمام مع القول بالعصبية في غيرها من الآراء التي انفرد بها إمام الحرمين و اعتبرت من أوائله – رغم أننا نجد بعضها قد نسب أحيانا لغيره من كبار الأئمة – و سآتي على ذكر طائفة منها خلال تقاسيم حديثي في هذا البحث إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير