تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- و المقصود – إن الإحاطة بواقع القرن الخامس الهجري و ظروفه السياسية الممتدة في بعض الأحيان إلى قرن من الزمن قبل إمام الحرمين سيساعدني على قراءة صحيحة نسبيا لجملة من الآراء والأفكار التي قدمها لنا الجويني من خلال مجموعة من كتبه و تصانيفه.

المبحث الأول: الحالة السياسية و الإجتماعية و العلمية.

امتدت الدولة الإسلامية خلال القرن الخامس الهجري من أقصى المشرق إلى الأندلس و كانت معظم أرجائها تحت وطأة الحكم العباسي مع وجود دويلات مستقلة، فظهرت الدولة البويهية (334 - 437ه). و الغزنوية (366 - 482 ه) و السلجوقية (437 - 656 ه) و غيرها، كما شهدت الساحة السياسية تعددا في دور الخلافة، حيث عرفت هذه المرحلة خلافتين متنافستين في المشرق العربي هما الخلافة العباسية (132 - 656ه) و مركزها بغداد، و الفاطمية (362 ه -567 ه) التي اتخذت من القاهرة مقرا لها، ولئن كانت الصبغة الغالبة على هذا العصر هي الصبغة العباسية فلطول مدتها من جهة و اتساع رقعتها و انتسابها للمذهب السني من جهة أخرى.

لقد ساهمت هذه الظروف السياسية المضطربة في تدهور الحياة الإجتماعية في ذلك العصر و أثرت بشكل كبير في حياة الناس و نمط عيشهم بالإضافة إلى تحديد أجناسهم وطبقاتهم و مختلف مظاهر حياتهم العامة و الخاصة.

و بالرغم من كل هذا التدهور الذي شهدته المرحلة من الناحيتين السياسية و الإجتماعية، فقد شهدت الحياة العلمية و الثقافية تراء و غنى على جميع المستويات الفكرية و العلمية و الفنية و الأدبية، فاعتبرت هذه المرحلة من أخصب فترات الحصاد للنهضة العلمية الرائعة فقد شهد هذا العصر أعلاما من الأئمة في كل علم وفن، و السبب في هذا الثراء المعرفي هو أن الخلفاء و الأمراء و الولاة كانوا يتنافسون على تشجيع العلماء و الشعراء و الأدباء النابغين و استمالتهم و بدل العطاء لهم، كما كانوا يتسابقون في بناء المدارس و المكتبات من اجل جلب الطلبة و مشاهير العلماء.

المبحث الثاني: ترجمة مختصرة لإمام الحرمين

هو عبد الملك بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن حيوية الجو يني، النيسابوري إمام الحرمين أبو المعالي، ولد الشيخ أبي محمد.

هو الإمام شيخ الإسلام، البحر المدقق المحقق، النظار الأصولي المتكلم، البليغ الفصيح الأديب ... زينة المحققين، إمام الأئمة على الإطلاق عجما و عربا، و صاحب الشهرة التي سارت السراة و الحداة بها شرقا و غربا الفقيه الشافعي الملقب ضياء الدين المعروف بإمام الحرمين، أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته و تفننه في العلوم من الأصول

و الفروع و الأدب و غير ذلك.

ولد في ثامن عشر محرم سنة تسع عشرة و أربعمائة، تفقه على والده فأتى على جميع مصنفاته و توفي والده وله نحو عشرين سنة فأقعده الأئمة في مكانه للتدريس إلى أن ظهر التعصب بين الفرقين – أي الأشاعرة و المعتزلة – و اضطربت الأحوال فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر ثم إلى بغداد، ثم إلى الحجاز و أقام بمكة و المدينة أربع سنين يدرس و يفتي و يصنف، و أم في الحرمين الشريفين و بذلك لقب، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب في أوائل ولاية السلطان ألب ارسلان السلجوقي و الوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور و قد سلم إليه التدريس و المحراب و المنبر و الخطابة و مجلس التذكير يوم الجمعة، وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة من الطلبة و الأئمة وأولاد الصدور، و حصل له من القبول عند السلطان ما هو لائق بمنصبه، بحيث لا يذكر غيره، و المقبول من انتمى إليه، و قرأ عليه ... ثم قلد رعاية الأصحاب و رئاسة الطائفة

و فوض إليه أمر الأوقاف، و بقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة غير مزاحم و لا مدافع.

أما شيوخ إمام الحرمين فإنهم كثيرون منهم: والده أبو محمد الجويني (438 ه) و أبو القاسم الأسفراييني (452ه) و أبو عبد الله الخبازي (372 ه) و القضي حسين (462 ه) و أبو نعيم الأصبهاني

(430 ه) و أبو القاسم الفوراني (463 ه) و أبو الحسن المجاشعي (452 ه) و أبو سعيد الميهني

(440ه).

و تخرج عن إمام الحرمين جماعة من الأئمة و الفحول و أبناء الصدور حتى بلغوا محل التدريس في زمانه، يذكر لنا ابن الوردي في تاريخه طائفة منهم: الغزالي – و حسبك – و أبو القاسم الأنصاري و ابو الحسن علي الطبري الكيالهراسي و أضاف السمعاني: الخوافي و الحاكم عمر النوقاني رحمهم الله أجمعين.

توفي رحمه الله ليلة الأربعاء بعد العشاء الخامس و العشرين من شهر ربيع الاخر من سنة ثمان و سبعين و أربعمائة، ودفن في داره ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده، و كسر منبره في الجامع و أغلقت الأسواق ورثوه بقصائد و كان عمره تسعا و خمسين سنة، و آثاره في الدين باقية و إن انقطع نسله ظاهرا، فنشر علمه يقوم مقام كل نسب.

ومما رثي به إمام الحرمين:

قلوب العالمين على المقالي ***** و أيام الورى شبه الليالي

أيثمر غصن أهل العلم يوما ***** و قد مات الإمام أبو المعالي.

المبحث الثالث: الفكر السياسي الإسلامي قبل إمام الحرمين

المطلب الأول: تعريف الفكر السياسي

لم يضع الباحثون تعريفا جامعا مانعا لمصطلح "فكر سياسي " بل اختلفوا حتى في تحديد المباحث و الموضوعات المندرجة تحته، فإذا كان هذا المركب الإضافي "فكر سياسي" هو الإسم الذي أطلق على مجموعة من الدراسات التي تهم السياسة و تعتني بمباحثها فإنه من الممكن تلمس بعض عناصر تعريفه انطلاقا من استقراء المادة التي يتكون منها هذا المركب الإضافي "فكر و سياسة " قبل تحديد العلاقة القائمة بينهما و التي تترجمها صيغة ذلك المركب.

1 - الفكر: [/ SIZE] >>>>>>>>>>>> يتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير