صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمةُ أحدكم فليجلدها الحد ولا يُثرِّب (42). فدلَّ هذا الحديث مع صحّته على أن التثريب واللعن إنما يكونان قبل أخذ الحد، وقبل التوبة؛ والله أعلم» (43)
3 ـ جواز لعن من اشتهر بالفسق وجاهر به، خاصةً إذا كان ضرره بيِّناً وأذاه وظلمه للمسلمين ظاهراً، وقد ذكر هذا القول الحافظ ابن حجر في الفتح (44).
4 ـ جواز لعن الفاسق المعين مطلقاً: هو قول بعض الشافعية (45)، وبعض الحنابلة (46)، كما نسب إلى الحسن البصري (47)
أدلة من أجاز لعن الفاسق المعين:
استدلَّ من أجاز لعن الفاسق المعين بما يلي من الأدلّة:
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه فأبَتْ، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح» (48)
وجه الدلالة: أن في هذا الحديث لعن معينة إذ الضمير في «لعنتها» يخصُّ المرأة الهاجرة فراش زوجها فلا بدَّ من صفة تُميِّزها، وذلك إما بالاسم نحو اللهمَّ العن فلانة الممتنعة، أو بالإشارة نحو هذه الممتنعة والملك هنا هو اللاّعن، وهو معصوم والائتساء بالمعصوم مشروع، والبحث في جواز لعن المعين وهو موجود (49)
3 ـ عن جابر رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمارٍ وُسِمَ في وجهه فقال: «لعن الله الذي وسمه» (50)
وجه الدلالة في هذا الحديث أصرح من الذي قبله في لعن المعين، حيث توجَّه لعنه صلى الله عليه وسلم للشخص الذي وسم الحمار.
4 ـ مشروعية اللعان بين الزوجين وفيه لعن معين (51)
5 ـ مشروعية المباهلة وفيها أيضاً لعن معين (52)
ـ لقد حاول جماعة من العلماء التوفيق بين قول من أجاز لعن الفاسق المعين وبين قول من منعه بأنَّ الذي أجازه إنما أراد به المعنى العرفي أو أحد المعاني اللغوية وهو مطلق السبّ أو الطرد عن منازل الأخيار أو التشديد في الأمر كما ذكر ابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي وابن عابدين (53) وما ذكروه متجه، وينهي التعارض بين الفريقين، فيما لو صرَّح أصحاب القول بجواز لعن الفاسق المعين أنهم أرادوا مطلق السب ولم يقصدوا الإبعاد والطرد عن رحمة الله، ولكنهم لم يذكروا هذا في الكتب التي نقلت أقوالهم!.
المطلب السادس
المناقشة والترجيح ثم النتائج
وعلى ما سبق يبقى الإشكال في لعن الفاسق المعين قائماً!.
والذي يبدو بعد ما تقدَّم جميعاً بين الأدلة والآراء:
جواز لعن الفاسق المجاهر بفسقه مع الكراهة، وذلك بشروط:
ـ أن يكون ما استحقَّ به اللعن ذنباً شنيعاً، فلا يجوز لعن من أتى الصغائر زلّةً منه، أو داوم عليها مع غلبة طاعاته على صغائره، لأن اللعن لم يثبت إلا فيمن أتى كبائر الذنوب.
ـ أن يكون الفاسق مجاهراً بما أتى غير مستتر به، قد ظهر منه الفساد بالناس والإفساد بالدين، أما إذا أتى كبيرةً سراً ولم يطَّلِع عليه إلا شخص أو شخصان؛ فهذا لا يجوز التشهير بلعنه لما فيه من مخالفة لمبدأ الستر في الإسلام.
ـ عدم الإكثار من لعن الفاسق المعين لئلا يقع في محذور اللعن.
وقد بني هذا الترجيح على ما يلي:
أولاً ـ ثبوت لعن المرأة التي باتت هاجرةً فراش زوجها، ومن وسم الحمار في وجهه، ومشروعية الملاعنة بين الزوجين والمباهلة بين الخصمين، وكلها تدلّ على لعن المعين، ولم يُجب من حرَّم لعن المعين عن ورود اللعن في هؤلاء المعينين إجابةً شافية، إلا اللهمَّ ما أجاب به الهيتمي من أنَّ لعن النبي صلى الله عليه وسلم المعينين هو من باب حديث: «اللهمَّ أنا بشرٌ فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعل له زكاةً وأجراً» (54).
وهذه الإجابة فيها ما فيها، فإنه إن انطبق على من وسم الحمار فلا ينطبق على الهاجرة فراش زوجها، كما لا ينطبق على الملاعنة والمباهلة.
ثانياً ـ أن الملاعنة فيها صيغة اللعن الصريحة، وهي مستحقةٌ لأحد الزوجين إذا لم يرجع، ولم يقل أحدٌ إن الكاذب في الملاعنة ـ المستحق للعن ـ هو كافر أو أن الصادق منهما هو الذي وجَّه اللعن لزوجه المسلم قد ارتكب إثماً بما هو صادق فيه بل مأمورٌ به، لأنه دعا على زوجه بالطرد من رحمة الله وهنا حجر الزاوية، سواء في مسألة الملاعنة أو غيرها من الآثام التي تستوجب اللعن، وهو ما سيُوضّح في الفقرة التالية:
¥