رابعاً ـ أن ما ذُكر عن الصغائر وغلبتها المفسِّقة لم يُنظر فيه إلى العقاب المترتب على فعل صغيرةٍ ما من حيث عِظَم إثمه أو قلَّته؛ إذ هو أمرٌ أخروي، ولكن هذا لا يعني إنكار تفاوت رتب الصغائر، وأن الصغائر قد تعظم بقرائنَ تُضم إليها، وقد تكلم العلماء على هذا وأتوا ببعض ما تعظم به الصغيرة، ومنه
ـ الإصرار عليها.
ـ التهاون بها وعدم المبالاة بها.
ـ الفرح بها.
ـ تكرارها.
ـ وبما يقترن بها من سيئات أخر أو من قلة الحياء، وترك الخوف.
ـ صدورها من عالم يقتدى به فيها. (20)
نتائج ارتكاب الصغائر في الحكم على المكلف بالفسق
وأخيراً يمكن صياغة القواعد والضوابط التالية فيما يتعلق بأثر ارتكاب الصغائر في الحكم على المكلف بالفسق:
1 ـ أن الشرع طلب طلباً جازماً الامتناعَ عن مواقعة صغائر الذنوب فهي في حكم التحريم مثلها مثل كبائر الذنوب.
2 ـ أن الإصرار على مواقعة صغائر الذنوب يورد صاحبه المهالك.
3 ـ أن المؤثر في ارتكاب الصغائر من حيث الحكم بالفسق على مرتكبها هو غلبة صغائره على طاعاته.
4 ـ معرفة الغلبة يمكن أن يكون عن طريق: العَدّ أو العُرف أو ظاهر حال الشخص، والقول في ذلك لأولي الخبرة في التزكية أو التجريح لا لعوام الناس.
5 ـ أن الصغيرة أو الصغائر التي تاب منها المكلف لا تدخل في تعداد ذنوبه؛ إذ التوبة تمحو أثرها بالكلية، والصغيرة المفسقة هي التي أصرَّ عليها بمعاني الإصرار المتقدمة من المداومة عليها في الماضي، والعزم على فعلها في المستقبل، من غير تخلل توبة، وكل ذلك مع غلبتها على طاعاته.
6 ـ أن غلبة الصغائر على المجتمع بحيث يَعْسُر الاحتراز منها لا تُفَسِّقُ صاحبها ـ مع حرمتها ـ إذا غلبت طاعاتُه معاصيه.
7 ـ أنه لا بد من ظهور هذه المعاصي الصغائر، فلو فعلها المكلف سراً ولم يطَّلع عليها أحد لا تدخل في مقياس الغلبة؛ لامتناع المعرفة (21)
8 ـ أن أنواع الصغائر التي تحسب في مقياس الغلبة هي التي ارتكبت عمداً لا جهلاً أو نسياناً.
9 ـ أن يقدم على هذه الصغائر معتقداً لحرمتها لا مُتأوِّلاً لحِلِّها، فلا يدخل في ذلك ما اختلف فيه الفقهاء من الفروع القابلة للاجتهاد.
وكتب أبو عبد الله الساحلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع (الحواشي):
: (1) الرسالة للإمام الشافعي، ص495؛ وينظر: الحاوي الكبير للماوردي: 17/ 154 ـ 156 ففيه اعتبار الغالب من حال المكلف.
(2) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي: 2/ 216؛ وينظر تحفة المحتاج له أيضاً: 13/ 209؛ وكفاية الأخيار للحصني، ص674، وهذا القول قد رجحه الرافعي أيضاً كما في إتحاف السادة المتقين للزبيدي: 8/ 546. وقد ذكره النووي في الروضة: 8/ 202 ـ 203 على أنه قول الجمهور.
(3) رسائل ابن نجيم، ص261؛ وينظر حاشية ابن عابدين: 7/ 114 فقد ذكر أن العبرة في الصغائر الغلبة.
(4) المغني لابن قدامة: 14/ 151.
(5) الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة: 3/ 518؛ وينظر التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الحنبلي: 3/ 111.
(6) ينظر: المحلى لابن حزم: 9/ 395.
(7) ينظر: زاد المسير لابن الجوزي: 1/ 241.
(8) أخرجه الإمام أحمد في المسند: 6/ 367 في مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، رقم الحديث (3818)؛ والطيالسي في مسنده، رقم (400)؛ والبيهقي في الشعب، (285)؛ والطبراني في الكبير، (10500)، وفي الأوسط (2550)، وهو حديث حسن كما ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 11/ 337.
(9) أخرجه الترمذي في السنن: 5/ 434 في: 48 ـ كتاب تفسير القرآن، 75 ـ باب ومن سورة ويل للمطففين، رقم (3334)؛ وأخرجه ابن ماجه في السنن: 2/ 1417 في: 37 ـ كتاب الزهد،29 ـ باب ذكر الذنوب، رقم (4244)؛ وأخرجه ابن حبان في صحيحه: 3/ 210 في: 7 ـ كتاب الرقاق، 9 ـ باب الأدعية، رقم الحديث (930)؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 562 في: 27 ـ كتاب التفسير، 83 ـ تفسير سورة المطففين، رقم (3908) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(10) ينظر في ذلك: (القواعد الفقهية): د. محمد علي الندوي، ص380 ـ 384؛ والحاوي الكبير للماوردي: 17/ 156.
(11) ينظر: الحاوي الكبير للماوردي: 17/ 155 بتصرف.
(12) ينظر: تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: 13/ 209 ـ 210؛ حاشية ابن عابدين: 7/ 113؛ الأشباه والنظائر للسيوطي، ص609؛ الزواجر: 2/ 217.
¥