وقال إبراهيم لا بأس أن تقرأ الآية ولم ير بن عباس بالقراءة للجنب بأسا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وذكر آثارا أخرى ثم ذكر فيه حديث عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف حضت الحديث وفيه فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال وغيره إن مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك].ولذا فالصحيح أيضا أن للحائض لها أن تقرأ القرآن لهذه الأدلة، ولعدم الدليل المانع.
فهذا الجمهور العلماء وما فهموا، فهل عجيب فهمهم أيضا؟!
وهذا هو فهم هؤلاء الأئمة ويعضده ما سردت لك من أدلة، مع البراءة الأصلية التي لا يخرجها عن أصلها إلا دليل صحيح صريح، ودونه خرط القتاد. أما الرواية الأخيرة التي ذكرتها فالجواب عنها سهل:
فيعتزلن الصلاة: أي مكان الصلاة.
سبق الجواب على هذا، ودائما البقاء مع ظاهر النصوص أسلم وأبرأ.
وقد سطرتَ في مشاركة لك سابقة أن المراد اعتزال الصفوف وهذا هو المراد فنهاية الصفوف هي نهاية المصلى
ومن أين لك أن نهاية الصفوف هي نهاية المصلى؟! ومعلوم أنه كون الصفوف تكتمل ليس معناه أن غير هؤلاء سيصلي خارج المصلى!! كيف وقد ذكرت لك أن هذا المصلى الذي يصلي به النبي صلى الله عليه وسلم مكان مكشوف لا سور له ولا باب.
فأمرها باعتزال المصلى = من باب أولى أمرها باعتزال المسجد.
إذا أثبَتّ لي أنهن - أي الحيض- خرجن من المصلى، قد يسلم لك، كيف وقد قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت
كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى تخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.، فقوله " يكن خلف الناس " يشعر بأنهن لم يفارقن مكان المصلى وإنما صفوف الطاهرات حتى لا يقطعن هذه الصفوف. وقد جاء في الصحيحين أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ".
والمراد: المصلى.
أولا: شتان بين "فلا يقربن"، وبين "يعتزلن الصلاة أو المصلى" فالاعتزال قد يكون بقرب، بينما النهي عن القربان ظاهر في المكان نفسه.
ثانيا: قال الحافظ في الفتح: [قوله: (قال في غزوة خيبر) قال الداودي أي حين أراد الخروج أو حين قدم.
وتعقبه ابن التين بأن الصواب أنه قال ذلك وهو في الغزاة نفسها، قال ولا ضرورة تمنع أن يخبرهم بذلك في السفر. انتهى.
فكأن الذي حمل الداودي على ذلك قوله في الحديث " فلا يقربن مسجدنا " لأن الظاهر أن المراد به مسجد المدينة فلهذا حمل الخبر على ابتداء التوجه إلى خيبر أو الرجوع إلى المدينة، لكن حديث أبي سعيد عند مسلم دال على أن القول المذكور صدر منه صلى الله عليه وسلم عقب فتح خيبر فعلى هذا فقوله مسجدنا يريد به المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته هناك أو المراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين أي فلا يقربن مسجد المسلمين.
ويؤيده رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ " فلا يقربن المساجد " ونحوه لمسلم وهذا يدفع قول من خص النهي بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وقد حكاه ابن بطال عن بعض أهل العلم ووهاه.
وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: لا بل في المساجد].
وفقك الله وسددك وأعانني وإياك على اغتنام الأيام المقبلة وبقية العمر في مرضاته.
آمين وإياك.
وأخيرا هذه فائدة استفدتها منك –يرحمك الله -:
قال أبو نعيم في الحلية 6/ 367:
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبدالله الحضرمي ح وحدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أبو بكر بن أبي عاصم قالا: ثنا الحسن بن علي ثنا أبو أسامة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إنما العلم عندنا الرخصة عن الثقة، فأما التشديد فكل إنسان يحسنه.وقال ابن عبد البر في التمهيد 8/ 147: روينا عن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه قال: ينبغي للعالم أن يحمل الناس على الرخصة والسعة ما لم يخف المأثم.
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا: حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر قال: إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل واحد.وانظر: الاستذكار 8/ 275
ولا يفوتني أن أهنئ أخي عبد الرحمن وسائر إخوتي الكرام بحلول عيد الفطر المبارك، فأسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم الطاعات، وأسأل الله تعالى أن يعيده على الأمة الإسلامية وهي ترفل بثوب العز والكرامة والنصر والتمكين.
¥