ـ[علي الفضلي]ــــــــ[26 - 10 - 06, 11:44 ص]ـ
من روايات حديث أم عطية: " يعتزلن الصلاة"، " يعتزلن الصف"، " يعتزلن المسجد" وهذه الألفاظ الثلاثة تدل على أن المراد الصلاة، والعجيب أن أقوى أدلة المانعين من مكث الحائض في المسجد هو هذا الحديث: أعني حديث أم عطية!! فهم يقيسون المسجد على المصلى مع أنه قياس مع الفارق، فهم لا شك أنهم لا يجيزون الذبح في المسجد، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح في المصلى!
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أن أبا أسامة حدثهم، عن أسامة، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته بالمصلى، وكان ابن عمر يفعله.
(قال الألباني في صحيح سنن أبي داود: حسن صحيح)
وقال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يذبح بالمصلى. (صحيح ابن ماجة رقم 3161) وبوب ابن ماجة: بَاب الذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى. ومعلوم أن الذبح في المصلى معناه أن الدم المسفوح سيسيل في المصلى!! فكيف يقاس المسجد على المصلى!! ومن المعلوم بمكان نجاسة الدم المسفوح!! قال الحافظ ابن عبد البر النميري في " التمهيد: [ ... وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس] وقال في " الاستذكار": [ولا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس].
وقال في "بداية المجتهد": [وأما الدم فاتفقوا على تحريم المسفوح منه].
وقال في "مراتب الإجماع": [واتفقوا أن الدم المسفوح حرام].
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذبح في المصلى مع سيلان الدم المسفوح في المصلى، فمن باب أولى وأولى ألا تمنع المرأة الحائض من المكث في المصلى، فهي ليست نجسة! لأن المؤمن لا ينجس.ودمها ليس مسفوحا:)!!
وهم كذلك لا يجيزون إقامة الحدود في المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم رجم في المصلى!!
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي قالا: ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "" أبك جنون؟ "" قال: لا، قال: "" أحصنت؟ "" قال: نعم، قال: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم في المصلى ....
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى- في " فتح الباري" له:
[وفي الحديث: أمر للنساء بشهود العيدين، معللاً بما فيهِ مِن شهود الخير ودعوة المسلمين، ويأتي استيفاء الكلام على ذَلِكَ في موضعه مِن ((الصلاة)) -إن شاء الله تعالى-.وإنما المقصود هنا: شهود الحيض، وقد استنكرت ذَلِكَ حفصة بنت سيرين، فأجابتها أم عطية بأن الحائض تشهد عرفة وكذا وكذا، كأنها تعني: مجامع الحج مِن الوقوف بالمزدلفة، ورمي الجمار وغير ذَلِكَ، فإنها تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، كَما سبق، فكذلك تشهد مجمع العيدين وهي حائض؛ لأنها مِن أهل الدعاء والذكر، فلها أن تفعل ذَلِكَ بنفسها، وتشهد مجامع المسلمين المشتملة عليهِ.
وأما أمر الحائض باعتزال المصلى، فَقد قيل: بأن مصلى العيدين مسجد، فلا يجوز للحائض المكث فيهِ، وَهوَ ظاهر كلام بعض أصحابنا، مِنهُم: ابن أبي موسى في ((شرح الخرقي))، وَهوَ -أيضاً- أحد الوجهين للشافعية، والصحيح عندهم: أنَّهُ ليسَ بمسجد، فللجنب والحائض المكث فيهِ.
وأجابوا عَن حديث الأمر باعتزال الحيض للمصلى: بأن المراد أن يتسع على غيرهن، ويتميزن. وفي هَذا نظر؛ فإن تميز الحائض عَن غيرها مِن النساء في مجلس وغيره ليسَ بمشروع، وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد.
وقد قيل: إن المصلى يكون لَهُ حكم المساجد في يوم العيدين خاصةً، في حال اجتماع الناس فيهِ دونَ غيره مِن الأوقات.وفي ذَلِكَ -أيضاً- نظر، والله أعلم.
والأظهر: أن أمر الحيض باعتزال المصلى إنما هوَ حال الصلاة؛ ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن، ثُمَّ يختلطن بهن في سماع الخطبة.
وقد صرح أصحابنا: بأن مصلى العيد ليسَ حكمه حكم المسجد، ولا في يوم العيد، حتى قالوا: لو وصل إلى المصلى يوم العيد والإمام يخطب فيهِ بعد الصلاة؛ فإنه يجلس مِن غير صلاة؛ لأنه لا تحية لَهُ].انتهى.
ومما يؤكد كلام الحافظ ابن رجب هو أن المصلى فضاء لا باب له ولا سور!! فكيف يعتزلن هذا المصلى؟!!! قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس ح و حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم قالا حدثنا الأوزاعي أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى المصلى في يوم العيد والعنزة تحمل بين يديه فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه فيصلي إليها وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستتر به. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" رقم 1304
قال الشيخ أبو الحسن المأربي في كتابه "تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين":- بعد أن ساق كلام ابن رجب -[لأنه لو كان اعتزال الحيض لكل ما يطلق عليه اسم المصلى لربما بَعُدنَ عن شهود الخير ودعوة المؤمنين، فإذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم – رأى أنه لم يسمع النساء- أي جميعهن – ووعظهن بعد خطبة الرجال، والفرض قربهن، فما ظنك بالحيض لو بَعُدنَ؟! فالظاهر أن الحيض كن مجتمعات مع الطاهرات في الخطبة، وهذا يؤيد ما رجحه ابن رجب، والله أعلم].
والله الموفق.
¥