أهل المدائن هربوا منها، عاصمة الفرس، فجاء المسلمون وفتحوها، وكسبوا من الأموال ما لا يعلمه إلا رب العباد مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لتنفقن كنوزهما – كنوز كسرى وقيصر – في سبيل الله "، وأخذوا التاج – تاج كسرى – وهو الذي يجلس تحته، ويضعه فوق رأسه، مرصع باللآلىء والذهب، وما شاء الله من حلي الدنيا، فأرادوا أن ينقلوه فلم يجدوا إلا جملين كبيرين يحملانه من المدائن إلى المدينة، فحملوه على جملين من المدائن إلى المدينة ثم وضعوه بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وما أدراك ما عمر – الذي عدل فعدلوا وأمن فأمنوا، قال وهو ينظر إليه: والله إن قوماً أدوا هذا لأمناء، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: نعم يا أمير المؤمنين إنهم أمناء لأنك كنت أميناً، ولو أنك رتعت لرتعوا – الله أكبر – فهذا تاج كسرى من المدائن يوزع بين المسلمين في المدينة.
من الذي نصرهم حتى عبروا النهر بخيلهم ورجلهم إلا الله عز وجل.
لماذا لا نؤمن بهذا؟ والله إننا ضعفاء الإيمان. أليس الرب عز وجل وهو أصدق القائلين وأقدر الفاعلين يقول: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) [الحج: 40، 41] تأكيدات لفظية ومعنوية في الآيتين من الله عز وجل، توجب علينا الأخذ بما جاء في هذه الآية الكريمة.
بأي شيء ننصر الله؟ لأن الله شرط: (ولينصرن الله من ينصره).
نرى الآن النكبات تأتي على المسلمين متنوعة وما رأينا أحداً إلا القليل النادر يقول: يا جماعة ارجعوا إلى دينكم، البلاء منكم.
من الذي يتكلم ويقول: إن الخطأ خطؤنا، والظلم ظلمنا، فلنرجع إلى ربنا، حتى لا يسلط علينا هؤلاء الظالمين لأن الله يقول: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) [الأنعام: 129]، تأتي النكبات وكأنها حوادث مادية لا علاقة لها بالدين مع أننا مسلمون.
هذه الحوادث ما تكون إلا بفعلنا، الكافر ربما يعطى في الدنيا ما يريد لأنه عجلت له طيباته في الحياة الدنيا، ينعم في الدنيا أكثر مما ينعم المسلم، حتى إذا انتقل إلى الآخرة صار العذاب عليه أشد، لأنه ينتقل من نعيم إلى عذاب، فيفقد هذا الذي يدركه في الدنيا فيكون عليه أشد وأعظم.
لهذا وصيتي للمخلصين في مثل هذه الظروف أن يدعوا الناس ويقولوا: ليس ما أصابنا هو حدث مادي أو خلاف من أجل المال أو الاقتصاد أو الحدود أو الأرض أو ما أشبه ذلك، وإنما هو قدر إلهي سلط بعضنا على بعض لأننا أضعنا أمر الله: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) [الشورى: 30]، أمت أن نبقى هكذا كأن شيئاً لم يجر، التاجر في كذبه وغشه، والموظف في خيانته وعدم القيام بالعمل، كل إنسان في الذي هو فيه، فهذا لا شك يدل على موت القلوب وقسوتها، وأنها لا تتعظ، وأن الأمور والحوادث يوشك أن تتطور وتتغير إلى أسوأ، لأن الله عز وجل يقدر مثل هذه الأمور لعلنا نحدث توبة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الكسوف: " ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة "، ولكن أين القلوب الواعية؟! نسأل الله تعالى أن يعيذنا من قسوة القلوب وغفلتها.
المصدر [تفسير سورة آل عمران: 1/ 477 - 481]
ـ[أبو الوليد الوراقي]ــــــــ[12 - 11 - 06, 10:25 م]ـ
أحسنت أخي ...
وجزاك الله خيراً على النقل ...
ورحم الله الشيخ، ما أبصره ...
ـ[محمد أبو عُمر]ــــــــ[24 - 09 - 09, 12:30 ص]ـ
رحم الله شيخنا ووالدنا وأسكنه فسيح الجنان وألحقنا به وبالصحابة والحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام
رفع للنفع