تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الدنيا ملعونة ..]

ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[06 - 12 - 06, 05:04 م]ـ

وردني سؤال حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها. والسائل وفقه الله يستشكل هذا الحديث، ويسأل هل يجوز لعن الدنيا، فأجبته بإجابة أضعها بين أيديكم.

الحديث لا بأس به إن شاء الله، وقد جاء من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وابن مسعود ولا يخلو طريق من مقال، لكن بمجموعها يغلب على الظن ثبوته إن شاء الله. {للإخوة في الملتقى بحث حول الحديث}

الدنيا: ما يقابل الآخرة ويصد عنها. وهذا هو معنى الدنيا عند الإطلاق من غير تقييد ولذلك قال الجرجاني في التعريفات: الحياة الدنيا هي ما يشغل العبد عن الآخرة. وهذا هو الغالب في إطلاق الدنيا، وهذا هو المراد في الحديث وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة.

فلم يجعل الصلاة من الدنيا، وأيضا ليس كل ما في الدنيا ملعون وإلا لما حبب إلى نبيه صلى الله عليه وسلم النساء والطيب وهما من الدنيا بنص الحديث، فالمقصود بالدنيا في الحديث ما يصد عن الآخرة وهذا هو المعنى الوارد في كتاب الله تعالى، إذ الغالب في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ورود الدنيا مورد الذم وهو أمر معلوم، ويراد بها ما ذكرنا.

هذا هو المعنى في الحديث فإن أبيت إلا أن تعمم فلا إشكال أيضا لما سيأتي ذكره.

ملعونة: المعنى اللغوي للعن هو البعد، فالمعنى أنها مبعدة عن الله تعالى لا تساوي عنده جناح بعوضة.

أو يقال: المراد بلعنها لعن صاحبها الملتفت إليها المؤثر لها، وأولئك هم الكفار ولا شك أن لعنة الله ثابتة على الكافرين. قال تعالى: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون.

أو يقال: الدنيا ملعونة: أي أن كل من آثرها وانغمس فيها فإنه يلعنها ويذمها ويبغضها إذا عرف حاله ومصيره يوم الدين.

وهو مثل قوله تعالى: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار. وقوله: كلما دخلت أمة لعنت أختها. وقوله: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.

ما فيها: أي مذموم ما في هذه الدنيا مما يصد عن ذكر الله تعالى فهو ملعون مذموم لكونه مبعدا عن الله تعالى، وهذا عموم يشمل كل ما كان على تلك الهيئة والصفة.

ولا يشمل الطيبات والمباحات، لأننا فسرنا الدنيا في أول الحديث بأنها ما يصد عن الله والدار الآخرة.

إذا علم معنى الدنيا وما إليه فيكون الاستثناء حينئذ في الحديث منقطعا، وإذا لم يؤخذ بذلك كان الإستثناء متصلا ولا إشكال أبدا مع الأوجه المذكورة.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: واعلم أن الذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا ليس راجعا إلى زمانها الذي هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة فإن الله تعالى جعلهما خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ثم قال: وليس الذم راجعا إلى مكان الدنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مهادا ومسكنا ولا إلى ما أودع الله فيها من الجبال والبحار والأنهار والمعادن ولا إلى ما أنبته فيها من الزرع والشجر ولا إلى ما بث فيها من الحيوانات وغير ذلك فإن ذلك كله من نعمة الله على عباده بما لهم فيه من المنافع ولهم به من الاعتبار والاستدلال عل وحدانية صانعه وقدرته وعظمته وإنما الذم راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا لأن غالبها واقع على غير الوجه الذي تحمد عاقبته بل يقع على ما تضر عاقبته أو لا ينفع كما قال عز وجل اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا.

فذم الدنيا ليس ذما مطلقا وإنما هو ذم من هذه الحيثية التي ذكرها ابن رجب، وإلا فذام الدنيا بإطلاق هو ممن يحب الدنيا ويهواها، إذ لم يكن ذمه لها إلا من جهة فواتها عليه والله المستعان.

قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير