الباب التاسع في ذكر تلبيس إبليس على الزهاد والعباد قد يسمع العامي ذم الدنيا في القرآن المجيد والأحاديث فيرى أن النجاة تركها ولا يدري ما الدنيا المذمومة فيلبس عليه إبليس بأنك لا تنجو في الآخرة إلا بترك الدنيا فيخرج على وجهه إلى الجبال فيبعد عن الجمعة والجماعة والعلم ويصير كالوحش ويخيل إليه أن هذا هو الزهد الحقيقي كيف لا وقد سمع عن فلان أنه هام على وجهه وعن فلان أنه تعبد في جبل وربما كانت له عائلة فضاعت أو والدة فبكت لفراقه وربما لم يعرف أركان الصلاة كما ينبغي وربما كانت عليه مظالم لم يخرج منها وإنما يتمكن إبليس من التلبيس على هذا لقلة علمه ومن جهله رضاه عن نفسه بما يعلم ولو أنه وفق لصحبة فقيه يفهم الحقائق لعرفه أن الدنيا لا تذم لذاتها وكيف يذم ما من الله تعالى به وما هو ضرورة في بقاء الآدمي وسبب في إعانته على تحصيل العلم والعبادة من مطعم ومشرب وملبس ومسجد يصلي فيه وإنما المذموم أخذ الشيء من غير حله أو تناوله على وجه السرف لا على مقدار الحاجة ويصرف النفس فيه بمقتضى رعوناتها لا بإذن الشرع وأن الخروج إلى الجبال المنفردة منهي عنه فان النبي نهى أن يبيت الرجل وحده وأن التعرض لتركه الجماعة والجمعة خسران لا ربح والبعد عن العلم والعلماء يقوي سلطان الجهل ..... وطالع ما بعده.
فائدة: اعلم أن ذم الدنيا بإطلاق لا يستقيم، ومدح الدنيا بإطلاق لا يحسن، وارجع لمقالة ابن رجب، وقد قال ابن القيم رحمه الله: واعلم أنه يحسن إعمال اللسان في ذم الدنيا في موضعين أحدهما موضع التزهيد فيها للراغب والثاني عندما يرجع به داعي الطبع والنفس إلى طلبها ولا يأمن من إجابة الداعي فيستحضر في نفسه قلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها فإنه إن تم عقله وحضر رشده زهد فيها ولا بد.
أرجو أن يكون الحديث واضحا بينا، وبالنسبة للعن الدنيا فإن ذلك لا يجوز وقد علمت معنى الحديث جيدا، وقد ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك ولا يثبت، كما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه النهي عن ذمها بإطلاق وفي ثبوت الحديث نظر، لكن المقصود أن ذم الدنيا ولعنها وسبها مما لا ينبغي، ولم يعهد عن أحد من السلف لعن الدنيا فيما أعلم، وكلام ابن رجب وابن القيم بين واضح، وعلى المسلم أن يشتغل بما ينفعه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم لعانا.
هذا ما يسر الله إيراده، وارجع إن شئت لتفسير قوله تعالى: والشجرة الملعونة في القرآن.
والله تعالى أعلم.
ـ[باحثة]ــــــــ[06 - 12 - 06, 06:55 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ونفع الله بكم
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[06 - 12 - 06, 07:30 م]ـ
أحسنت يا أخي الكريم في هذا الجواب, ومن الضروري لطالب العلم أن يدرك الفروق اللغوية في دلالات ألفاظ الوحيين, ولا يفسر بالمتبادر للذهن مع الغفلة عن السياق ..
فاللعن مثلاً يطلق في اللغة ويراد به الطرد والإبعاد من رحمة الله كقول الله (لعنه الله وقال لأتخذنّ من عبادك نصيبا مفروضاً .. ) الآية
ويطلق ويراد به الذمّ والعيب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - 6 (الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها) قهذا لا يمكن أن يكون المراد به الطرد والإبعاد من رحمة الله, بل المراد به الذم والعيب ..
ويطلق ويراد به السبّ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (لعن الله الواشمة والمستوشمة .. ) فلا يمكن القول بأن المراد به الطرد والإبعاد من رحمة الله كما حصل لإبليس, لكون جرمها ليس مخرجا لها من الإسلام.
وينبغي التنبيه هنا إلى أن ما جاء به الخبر عن الله بلعن صاحبه كأكل الربا وبائع الخمر والمنتسب لغير ابيه وغيرهم’,لا يمكن الجزم بالمراد باللعن أهو الطرد أم الذمّ أم العيب فنقول هو ملعون, ونحجم عن تفسير اللعن بأي نوع حتى نجد ما نستند له في تفسيرنا ..
والله تعالى أعلم ونسبة العلم إليه أحكم وأسلم
ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[08 - 12 - 06, 08:30 م]ـ
باحثة ـ أبا زيد الشنقيطي
بارك الله في مروركما
ـ[عبد المتين]ــــــــ[09 - 12 - 06, 04:08 ص]ـ
أخي العزيز، و الله أعلم، ففي الحديث ضعف. أنقل لكم تعليق أبي عيسى الترمذي:
حدثنا محمد بن حاتم المؤدب حدثنا علي بن ثابت حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال سمعت عطاء بن قرة قال سمعت عبد الله بن ضمرة قال سمعت أبا هريرة يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قوله: (حدثنا محمد بن حاتم المؤدب)
الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم , الخراساني نزيل العسكر , ثقة من العاشرة
(أخبرنا علي بن ثابت)
الجزري أبو أحمد الهاشمي مولاهم , صدوق ربما أخطأ , وقد ضعفه الأزدي بلا حجة من التاسعة
(حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان)
العنسي بالنون الدمشقي الزاهد صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير بآخره من السابعة
(قال سمعت عطاء بن قرة)
السلولي بفتح المهملة وضم اللام الخفيفة صدوق من السادسة
(قال سمعت عبد الله بن ضمرة)
السلولي وثقه العجلي من الثالثة.
وأخرجه ابن ماجه والبيهقي.
والله تعالى أعلم.
¥