تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال سيد قطب رحمه الله: "إن مثل ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك من يتدبره أن يظل معرضا عنه، ففيه من الجمال، وفيه من الكمال، وفيه من التناسق، وفيه من الجاذبية، وفيه من موافقة الفطرة، وفيه من الإيحاءات الوجدانية، وفيه من غذاء القلب، وفيه من زاد الفكر، وفيه من عظمة الاتجاهات، وفيه من قويم المناهج، وفيه من محكم التشريع .. ، وفيه من كل شيء ما يستجيش كل عناصر الفطرة ويغذيها ويلبيها {أفلم يدبروا القول}؛ إذن فهذا سر إعراضهم عنه؛ لأنهم لم يتدبروه" [42] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn42) .

وقوله تعالى: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} فيه حسم لشبهة لو أمكنهم لتعلقوا بها، ونشر لدخيلة نفوسهم أن سبب إعراضهم كراهية للحق صريحة، فلا عجب أن صار الخطاب ملامة وعتبى بعد أن كان دعوة ورغبى كما في قوله في الآية الأخرى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16].

الآية المدنية الأولى: قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، والخطاب فيها للمنافقين والمجادلين في ربانية الكتاب في كل حين؛ بعبارة ليس فيها تحكم أو إلزام بما يدفعه المناظر المنصف المحتكم إلى البرهان؛ بل فيها غاية إنصاف الإنسان، وتقدير عقله ومداركه.

قال سيد قطب رحمه الله: "وهنا يعرض عليهم القرآن خطة؛ هي غاية ما يبلغه المنهج الرباني من تكريم الإنسان والعقل الإنساني واحترام هذا الكائن البشري وإدركه الذي وهبه له الخالق المنان؛ يعرض عليهم الاحتكام في أمر القرآن إلى إدراكهم هم، وتدبر عقولهم .. ، ويعين لهم منهج النظر الصحيح كما يعين لهم الظاهرة التي لا تخطئ إذا اتبعها ذلك المنهج، وهي ظاهرة واضحة كل الوضوح في القرآن من جهة، ويمكن للعقل البشري إدراكها من جهة أخرى .. ، ودلالتها على أنه من عند الله دلالة لا تمارى" [43] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn43).

وللإمام الزمخشري في هذا الموطن كلام سديد يوجه به إلاهية الكتاب أحسن توجيه؛ قال: " .. فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء، وتناصر صحة معان وصدق إخبار، علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيرُه، عالم بما لا يعلمُه أحد سواه .... ؛ فإن قلت: أليس نحو قوله تعالى: {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الأعراف: 107]، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10]، {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92]، {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39] من الاختلاف؟ قلت: ليس باختلاف عند المتدبرين" [44] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn44).

الآية المدنية الثانية: قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وهي لوماء جديدة عسيرة، وكاشفة شديدة جمع فيها بين الإنكار ونشر ما سعى المنافقون إلى طيه من فساد القصد وخبث السريرة، فتدبر القرآن لا يلين لمن كانت هذه حاله؛ لأن محل قرار الذكرى من نفسه مقفل، كما قال الشاعر: [45] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn45)

تَرَى عَيْنُهُ مَا فِي الْكِتَابِ وَقَلْبُهُ عَنِ الدِّينِ أَعْمَى وَاثِقٌ بِقُفُولِ [46]

لذلك ذكر حالهم -من الاستنكاف- الموجبة لقسوة القلب واستحقاق اللعنة قبل الإنكار عليهم فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ .. } [محمد: 23]؛ فهو أعظم وأجل من أن يصيب حظ نوره وثمرة هدايته القبيل والدبير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير