وصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "انتهيت إلى أبي جهل؛ وهو صريع، وعليه بَيْضَتُه [34] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn34)؛ ومعه سيف جيد ومعي سيف رديء؛ فجعلت أنقُف [35] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn35) رأسه بسيفي، وأذكر نقْفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت يده، فضربت يده، فوقع السيف من يده، فأخذته، فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة لنا أو علينا؛ ألست رويعينا بمكة فقلت: أي عدو الله! قد أخزاك الله، قال: هل أَعْمَدُ من رجل قتلتموه [36] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn36).. ؟!.
ثم كشفت المِغْفَر [37] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn37) عن رأسه؛ فضربت عنقه، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قتلت أبا جهل، فقال: آلله الذي لا إله إلا هو؟ … قلت: آلله الذي لا إله إلا هو؛ حتى حلفني ثلاثا، قال: انطلق فاستثبت! فانطلقت؛ فأنا أسعى مثل الطائر، ثم جئت وأنا أسعى مثل الطائر أضحك، فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق فأرني!، فانطلقت معه فأريته، فلما وقف عليه قال: هذا فرعون هذه الأمة" [38] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn38).
وأما الآيات الأربع التي ورد فيها لفظ التدبر، فثنتان منها مكيتان، وثنتان مدنيتان [39] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn39)، وهذا ترتيب نزولها مع بيان بعض معانيها:
الآية الأولى: قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، فهذا بيان للغاية العظمى التي من أجلها نزل القرآن، ولا يزال الخطاب فيها مقتصرًا على الحث والإغراء والإخبار عن الكتاب بنعوت وصفات بعضُها شاهد على أنه ميسر للذكر والتناول، وبعضها أمارة على أنه حقيق بالتأمل والتدبر.
فهو كتاب؛ أي نظام [40] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn40) حاله من الوضوح والجلاء والتمام والغناء بحيث لا يعسر إحرازه وتلقيه، ويشق على اللبيب كف سماعه وتخطيه، فجمع له بين مسوغي التنكير: الوصف والإخبار لئلا يستعجب ويستراب به.
وصورة بلوغه إلى الخلق: إنزال إلى نبي مجتبى ووحي إلى رسول مصطفى؛ ففيها من كمال تدبير مُنزله عز وجل وعظيم حكمته وتقديره ما يغري بتدبر الكتاب المنزل وتعزيره.
وفيها الإشارة إلى أنَّ إنزالَه بلسان رجل من المخاطبين لبث فيهم عمرًا لا يكذبونه عونٌ لهم على الإيمان والاستجابة أول أمرهم بتدبره، كما قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: 58]؛ قال العلامة الزمخشري: "ومعناها: سهلناه حيث أنزلناه عربيا، بلسانك: بلغتك إرادة أن يفهمه قومك فيتذكروا" [41] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn41)؛ ففيه رحمتهم وإقامة الحجة عليهم.
وفي وصفه بأنه مبارك إشارة إلى اشتماله على نفع المخاطبين، وأن أصل النفع في غيره معدوم، لا سيما وأن نفع الإيمان بالذي أنزله عز وجل كامل طارد لكل ضرر؛ كضرر شركهم وغفلتهم، فحثهم على تدبر الكتاب رفقًا بهم وسوقًا لهم إلى ما فيه محض منفعتهم.
الآية المكية الثانية: قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 68 - 70].
وفي هذه الآية تحول الخطاب إلى العتاب، وشفع السياق الاستفهام بالإنكار لما سبق في الآية الأولى من الإعذار بذكر خصال الكتاب الموجبة لتدبره.
¥