وفي رواية: «أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل» [44].
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: لقيت خالي أبا بردة ومعه الراية، فقلت: إلى أين؟ فقال: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجلٍ تزوّج امرأة أبيه أن أقتله، أو أضرب عنقه [45] وزاد في رواية: وآخذ ماله، أو: أصفي ماله، أو: أخمّس ماله.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: (إنّ تخميس ماله دَلَّ على أنّه كان كافراً لا فاسقاً، وكفره بأنّه لم يحرم ما حرّم الله ورسوله) [46] لأنه كذَّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عن ربّه، وجحود لآية من القرآن.
وفي السنَّة من النصوص الواردة في قتل الساحر ما ينضم إلى ما تقدَّم أيضاً.
وثبت القتل للمرتد من فعل صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورضي الله عنهم.
فقد أُتي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم بالنار [47].
وورد ذلك عن ابن عمر و عثمان و أبي بكر - رضي الله عنهم -[48].
ولما قدم معاذ بن جبل على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - إذا رجل عنده موثَق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم، ثم تهوّد، قال: اجلس.
قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، فأمر به فقتل [49].
والحكم بقتل المرتد محل إجماع من المسلمين [50]، فلم يقع في أصله خلاف، وإن حصل اختلاف في فروعه كالاستتابة ومدتها وأنواع المكفرات.
ولكن هذا القتل لا يكون إلا بأمر حاكم؛ لأن مرجع تنفيذ الأحكام إليه، عند جمهور أهل العلم، كما لا يقتل حتى يستتاب ويصرّ على ردّته، ولا بد من تحقق الردّة بثبوت موجبها وتحقق شروطها وانتفاء موانعها من الخطأ والإكراه ونحو ذلك [51].
ومعنى ما سبق أن إثبات الحد الشرعي شيء، وتطبيقه في الواقع شيء آخر؛ فإن تنزيل الأحكام على الوقائع مختص بأهله.
* شبهات حول حد الردّة: يظهر مما سبق أن الحكم بقتل المرتد حداً حدٌّ شرعيٌّ ثابت بالنص النبوي قولاً وفعلاً، وبإجماع المسلمين، ودَلّ عليه كتاب الله - تعالى - تفقهاً وعمل الصدر الأول من الأمّة.
وهو متّسق مع قاعدةٍ كلية وهي إباحة دم الكافر إلا بطروء ما يعصمه.
وكل ما سبق مثبتٌ - بلا شك - أن القتل للمرتد واجب من واجبات الدين.
إلا أن هذا العصر لما شهد إعراض بعض الأمم عن تطبيق هذا الحد، أخذ بعضهم يبحث عن وسائل يجعل هذا الحد محل تردد، وأورد لذلك شبهات، وتوصّل بعد ذلك إلى تحريم الردّة، ولكن جعل عقوبتها تعزيريّة عائدة لرأي الإمام إما بالقتل أو بالسجن أو بغيرهما [52].
وآخر بحثَ مثله عن شبهات وتوصل بعد عرضها والكلام حولها إلى أنّه لا عقوبة على الردة! [53].
ومجمل الشبهات التي أوردها هؤلاء هي: أن عقوبة الردة وردت في أحاديث آحاد، والحدود لا تثبت بحديث آحاد.
وقد تبيّن مما سبق أن حد الردة محل إجماع، والإجماع يرفع الحكم إلى القطعيات، كما أن الحديث ورد بعدة طرق، وأخرجه صاحب الصحيح مما يجعله محفوفاً بالقرائن التي ترفعه إلى إفادة العلم كما قرره الحافظ ابن حجر في نزهة النظر [54].
وقد نقل أيضاً في نفس الموضع الإجماع على وجوب العمل بما في الصحيح، ثم إن أحاديث الآحاد لم يتوقف علماء الصدر الأول من الإسلام عن الأخذ بها سواء في العلميات أو العمليات.
ولذا قال ابن حبان - رحمه الله -: (فأما الأخبار فإنّها كلها أخبار آحاد؛ لأنّه ليس يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرٌ من رواية عدلين روى أحدهما عن عدلين، وكل واحد منهما عن عدلين، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فلما استحال هذا، وبطل، ثبت أنَّ الأخبار كلها أخبار آحاد، وأن من تنكّب عن قبول خبر الآحاد فقد الإضافة) [55].
كما أنّ حد الزاني المحصن وشارب الخمر وتفصيلات حدود السرقة وزنا البكر كلها إنّما ثبتت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآحاديّة.
ومع كل ذلك فإنَّ لدينا على هذا الحد دليلاً من القرآن تقدم، وإجماع مَرّ معنا.
ونظير هذه الشبهة: أن هذا الحكم لم يذكر في القرآن.
وهو مع الإشارة إليه في القرآن، ومع اعتقادنا أنَّ السنة مصدر للتشريع فإني ذاكر حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: إذ لعن الواشمات والمتنمّصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.
¥