كنا في الدرس السابق قد شرحنا جملة من المسائل المتعلقة بالصيام تكلمنا عن شروط وجوب الصوم وعن الطرق التي يثبت بها دخول شهر رمضان وأنه يجب إما بإكمال شعبان ثلاثين يوماً أو برؤية هلاله، ثم تكلمنا أيضاً عن يوم الشك: المقصود به وحكم صومه وكيفية الشهادة برؤية الهلال، هلال رمضان أو هلال شوال أو غيره من الشهور وعن حكم العمل بالحساب الفلكي في إثبات الشهور وعما إذا رأى الإنسان الهلال وحده سواء كان برمضان أو بشوال وتوقفنا عند ذلك وكانت آخر مسألة: إذا اشتبهت الأشهر على الأسير فما الحكم؟ كانت هذه هي آخر مسألة معنا في الدرس السابق.
في هذا الدرس سوف ننتقل إلى باب جديد وهو باب أحكام المفطرين في رمضان وسنتكلم عن أقسام هؤلاء المفطرين نبدأ أولاً بقراءة عبارة المؤلف -رحمه الله تعالى-:
يقول ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: (ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به, والمسافر الذي له القصر فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاماً أجزأهما.
الثاني: الحائض والنفساء تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزئهما.
الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً وإن صامتا أجزأهما.
الرابع: العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكيناً وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير)
قال -رحمه الله تعالى-: (باب أحكام المفطرين في نهار رمضان) أوجب الله- - عز وجل- صيام شهر رمضان على كل مسلم مكلف وذكرنا شروط وجوب الصوم في الدرس السابق وذكرنا أن فرض شهر رمضان مر بعدة مراحل:
أول ما فرض: صيام يوم عاشوراء.
ثم بعد ذلك فرض صيام شهر رمضان على التخيير بينه وبين الإطعام ? وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ? [البقرة: 184] يعني: خير من الإطعام.
ثم المرحلة الثالثة التي استقر عليها الأمر هي فرض صيام شهر رمضان على وجه التعيين بقول الله - عز وجل-: ? فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ? [البقرة: 185] ولكن من رحمة الله - عز وجل- بعباده أن خفف عن بعض من تلحقهم مشقة في الصوم فأباح لهم الفطر في نهار رمضان، وقد ذكر الله- تعالى- من هؤلاء: المريض والمسافر في قوله- سبحانه-: ? فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? [البقرة: 184] ذكر الله- تعالى- هذا في موضعين.
وأيضاً جاءت السنة بإباحة الفطر كذلك للحائض والنفساء, بل بوجوب الفطر على الحائض والنفساء- كما سيأتي- كذلك أيضاً العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه يباح له الفطر وهو في حكم المريض ونتكلم بعد ذلك عن هذه الأقسام الأربعة بالتفصيل.
قال -رحمه الله تعالى-: (يباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام) وبدأ بالقسم الأول قال: (أحدها: المريض) وهذا منصوص عليه في الآية الكريمة, فالمريض يجوز له الفطر في نهار رمضان ولكن ما الضابط للمرض الذي يباح بسببه الفطر في نهار رمضان؟
قال المؤلف: (الذي يتضرر به) فأفادنا المؤلف أن الضابط: هو حصول الضرر لهذا المريض ولكن كلام المؤلف ليس شاملاً للضابط الذي يمكن أن نجعله ضابطاً للمرض الذي يباح بسببه الفطر لأن المؤلف ذكر فقط المرض الذي يتضرر به المريض، ولكن أحياناً المريض قد لا يتضرر بالفطر لكن يشق عليه الصوم بسبب المرض فهذا المريض الذي يشق عليه الصوم يباح له الفطر أيضاً فنستطيع إذن بعبارة جامعة شاملة أن نقول: إن الضابط في المرض الذي يباح بسببه المرض هو الذي يشق بسببه الصوم أو يتضرر به المريض, بعبارة مختصرة جامعة هي الذي يتضرر به المريض أو يشق عليه مشقة كبيرة.
أما إذا كان المرض يسيراً كزكام أو صداع أو نحو ذلك فإن هذا المرض لا يبيح الفطر في نهار رمضان. إذن: لابد أن يكون هذا المرض يحصل به الضرر لهذا المريض أو يشق عليه مشقة ظاهرة فيباح له بسببه الفطر.
والذي يحدد مدى تضرر المريض بهذا المرض هو الطبيب الثقة إذا قال الطبيب الثقة العدل لهذا المريض: إنك لو لم تفطر في نهار رمضان فإنه يحصل لك ضرر إما بزيادة المرض أو بتأخر البرء فإنه يباح له بسببه الفطر أو أنه بسبب هذا المرض يحصل له مشقة واضحة ظاهرة فهنا يباح له بسببه الفطر.
¥