قال: (والمسافر الذي له القصر) وهذا منصوص عليه في الآية الكريمة ? فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? وقيد المؤلف المسافر بمن له القصر يعني: من يحل له الترخص برخص السفر، وهذا يقودنا إلى معرفة المسافر الذي له القصر: اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً كثيراً من هو المسافر الذي يباح له القصر؟.
أولاً: من جهة تحديد المسافة هل تحدد مسافة السفر أم لا تحدد؟ من العلماء من قال: إنها لا تحدد وأنها ترجع للعرف فما عُدَّ في عرف الناس سفراً فهو سفر.
وأما جمهور العلماء فحددوا المسافة على اختلاف بينهم ولكن أكثرهم على تحديد مسافة السفر بيوم وليلة وبعضهم يعبر عن هذا بيومين قاصدين كما هو المشهور من مذهب الحنابلة وأخذوا هذا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم) [متفق عليه].
قالوا: فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أقل مسافة للسفر, أقل ما يمكن أن يسمى سفراً، ولو كان هناك شيء أقل من هذا لذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن السياق يقتضي ذلك.
ومسيرة اليوم والليلة أو مسيرة يومين قاصدين جاء تحديدها عن بعض السلف من الصحابة وغيرهم جاء عن ابن عباس وابن عمر أنهم حددوا ذلك بأربعة بردك (يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد) وهي تعادل بالكيلو مترات تقريباً ثمانين كيلو متر تقريباً.
وهذا هو القول الأظهر في هذه المسألة- والله تعالى أعلم- أولاً لدلالة هذا الحديث عليه ولأن هذا هو المنقول عن كثير من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ولا شك أن الصحابة أعلم منا بشريعة الله وأعلم منا بدين الله وأعلم بمدلول لغة العرب.
وأما القول بإطلاق المسافة وعدم تحديدها وأنها ترجع للعرف. في الواقع أن هذا وإن كان قولاً متجهاً إلا أنه لا ينضبط وذلك أن الناس يختلفون في تحديد العرف اختلافاً كثيراًَ خاصة في زمننا هذا نجد أن طلاب العلم أنفسهم يختلفون هل هذا سفر أم ليس سفراً؟ وبعضهم يقول: إنه سفر وإن العرف يقتضي أنه سفر وآخر يقول: هذا ليس بسفر وأن العرف يقتضي أن هذا ليس بسفر ولذلك فإن قول الجمهور هو أضبط وأقرب أيضاً لمدلول النص وهو موافق لفهم بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كما نقلنا ذلك عن ابن عباس وابن عمر وهو الذي عليه المذاهب الأربعة، المذاهب الأربعة على التحديد بمسافة على اختلاف بينهم في قدر هذه المسافة.
فيكون القول الراجح في هذه المسألة -والله تعالى أعلم- هو أن المسافة التي يترخص بها المسافر هي مسيرة يومين قاصدين أو يوم وليلة بسير الإبل وهي تعادل تقريباً ثمانين كيلو متر من سافر هذه المسافة فأكثر ثمانين كيلومتر فأكثر فإنه يترخص برخص السفر ومنها الفطر في نهار رمضان ومنها قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر, والمغرب والعشاء وكذلك أيضاً تكون مدة المسح على الخفين بالنسبة له ثلاثة أيام إذن: هذا هو المسافر الذي له القصر.
ولكن المسافر الذي له القصر إذا أقام في بلد فهل له القصر والفطر في نهار رمضان والترخص بسائر الرخص أم لا؟ هذه أيضاً مسألة اختلف فيه أهل العلم اختلافاً كثيراً على أقوال أوصلها بعضهم إلى نحو عشرين قولاً وأقرب هذه الأقوال: هو ما عليه جمهور أهل العلم وهو أن إقامة هذا المسافر إن كان هذا المسافر لم يحدد زمناً لإقامته وإنما له حاجة يقول: اليوم أرجع غداً أرجع فهذا يترخص برخص السفر وإن طالت المدة وإن مضى على ذلك أشهر أو سنون أما إذا حدد مدة إقامته كأن يحدد مدة إقامته بأسبوع أو عشرة أيام أو أكثر أو أقل فهذا هو الذي وقع فيه النزاع يعني الصورة الأولى محل اتفاق بين العلماء أنه إذا لم يجمع الإقامة فله الترخص برخص السفر ولو طالت المدة.
المسألة التي هي محل الخلاف هي ما إذا حدد زمن إقامته كأن يحددها مثلا بأسبوع أو عشرة أيام أو أكثر أو أقل فهل له الترخص برخص السفر من الفطر في نهار رمضان؟ هذه محل خلاف بين أهل العلم، والأظهر- والله تعالى أعلم- هو ما عليه جمهور أهل العلم وهو أنه إذا كانت إقامته في حدود أربعة أيام فأقل فإن له الترخص برخص السفر.
¥