أما إذا كانت أكثر من أربعة أيام فليس له الترخص برخص السفر ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل للمهاجر أن يبقى بعد طواف الصدر أكثر من ثلاثة أيام) فالمهاجر ممنوع أن يبقى بمكة التي هاجر منها لله - عز وجل- أن يبقى فيها لكن سومح في ثلاثة أيام فنجد أن ثلاثة أيام هذه يتسامح فيها في أمور كثيرة منها هذه المسألة منها مثلاً مسألة الإحداد على غير الزوج (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام) منها مثلاً هجر مسلم (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) فنجد أن الثلاثة أيام هي الحد الفاصل بين القليل والكثير وأن ما كان قليلاً في حدود ثلاثة أيام يتسامح فيه الشرع.
وفي حجة النبي - صلى الله عليه وسلم- أقام -عليه الصلاة والسلام- أربعة أيام يقصر الصلاة ومعلوم أن ثلاثة أيام بيومي الدخول والخروج تقرب من أربعة أيام ولهذا فإذا كانت إقامة المسافر في حدود هذه المدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام فيترخص برخص السفر وما زاد على ذلك فإننا لا نعتبره مسافراً.
ولهذا قال بعض أهل العلم: إن العرب ما كانت تعرف أن الإنسان يقيم في بلد ويسمى مسافراً لأن السفر من الإسفار وهو البروز في الصحراء ولكن يتسامح في ذلك في المدة اليسيرة، والمدة اليسيرة عرفنا أنها ثلاثة أيام أو إذا أضفنا لها يومي الدخول والخروج يعني: تصبح في حدود أربعة أيام فهذه المدة اليسيرة يترخص فيها المسافر برخص السفر إذا زادت المدة على هذا القدر فإن هذه المدة لا تصبح يسيرة وإنما تصبح مدة كبيرة ولذلك فإنه لا يترخص برخص السفر.
والقول بأنه يترخص برخص السفر مطلقاً قول فيه إشكال وفيه خطورة كبيرة في الحقيقة لو قلنا بهذ القول يعني: مثلاً عندنا هنا في المملكة أنه يقارب ثلث المجتمع من الإخوة المقيمين، يترتب على هذا القول أن هؤلاء كلهم مسافرون وأنه يباح لهم الفطر في نهار رمضان والقصر والجمع, ثلث المجتمع نعتبره مسافراً ونقول لهم: يجوز لكم أن تفطروا في نهار رمضان هذا فيه خطورة كبيرة لهذا ينبغي أن ينظر ما يترتب على القول بالإطلاق في هذه المسألة بأن المسافر يترخص برخص السفر وإن طالت المدة، فيترتب على هذا القول مثل هذه المسائل الكبيرة.
ولهذا فإن الأظهر والأقرب في هذه المسألة هو رأي جمهور الفقهاء وهو أنه إذا كان في حدود أربعة أيام فأقل فإن له الترخص وما زاد على ذلك فليس له الترخص وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-.
إذن: يكون هذا هو المسافر الذي له القصر يستطيع أن نحدد هذا المسافر, أن نقول: الذي سافر مسافة تزيد على ثمانين كيلو متر وكذلك المسافر الذي أقام مدة لا تزيد على أربعة أيام وكذلك المسافر الذي أقام وله حاجة لا يدري متى تنقضي بل يقول: اليوم أرجع, غداً أرجع.
المسافر بالنسبة للفطر له ثلاث أحوال:
الحال الأولى: أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة فالصحيح أنه يكره أو يحرم عليه الصوم يعني: الحكم دائر بين الكراهة وبين التحريم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لما كان ذات مرة في سفر وأمر بالإفطار وبلغه أن أناساً لم يفطروا فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة) والعصيان لا يكون إلا على ارتكاب معصية، ولهذا فإن الصوم في هذه الحال يحرم أو أنه يكره يعني: دائر بين الكراهة وبين التحريم.
الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة غير شديدة فيكره الصوم في حقه وذلك لما فيه من العدول عن رخصة الله- تعالى- فإن الله تعالى رخص للمسافر أن يفطر في نهار رمضان ? فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ? وفي صحيح مسلم عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: (قلت: يا رسول الله إني أجد في قوة على الصيام في السفر قال -عليه الصلاة والسلام-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه والله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه).
ولهذا فإن الأفضل في حقه الفطر ويكره في حقه الصوم إذا كان يشق عليه مشقة غير شديدة، ولهذا نقول مثلاً لمن ذهب إلى مكة معتمراً وشق عليه الصوم نقول: الأفضل أن تفطر وبعض الإخوة المعتمرين تجد أنه يشق عليه الصوم ويجهده الصوم, لكنه يصر على عدم الإفطار وهذا مكروه الحقيقة فالأفضل في حقه أن يفطر وأن يأخذ برخصة الله - عز وجل-.
¥