قال: (أو استمنى) يعني: طلب خروج المني بأية وسيلة فأمنى فإنه يفسد صومه بذلك وعلى هذا قول عامة أهل العلم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما قاله عن ربه - جل وعلا- في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشهوته من أجلي) والاستمناء شهوة بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيكون له أجر؟ قال: أرأيت إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال) والذي يوضع هو المني فاعتبره النبي -صلى الله عليه وسلم- شهوة فيدخل في هذا الحديث (يدع طعامه وشهوته من أجلي) إذن: استدعاء المني بأية وسيلة سواء كان بمباشرة سواء كان باستمناء بأية وسيلة كانت يحصل به التفطير للصائم وينتقض به الصوم.
قال المؤلف: (أو قبَّل) يعني: قبَّل فأنزل فإنه ينتقض صومه وهذا يقودنا إلى معرفة حكم تقبيل الصائم نقول: تقبيل الصائم لزوجته ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يأمن على نفسه من الإنزال فيجوز التقبيل في هذه الحال والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل وهو صائم) ولا قول لأحد مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كون النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل هذا دليل على جوازه لكن كما قالت عائشة -رضي الله عنها- (أيكم أملككم لإربه؟) هذا إذا كان الإنسان يأمن من الإنزال كذلك أيضاً من باب أولى الوطأ.
القسم الثاني: إذا كان لا يأمن على نفسه من الإنزال ويعرف من نفسه ويغلب على ظنه أنه لو قبَّل لأنزل, هنا لا يجوز له التقبيل فإن فعل أثم وانتقض صومه.
قال: (أو لمس) يعني: بمباشرة أو بلمس بأية طريقة فأنزل فإنه يحصل به التفطير للصائم وينتقض به الصوم قال: (أو أمذى) بالذال المذي: هو سائل لزج رقيق يخرج عند اشتداد الشهوة ويخرج من الإنسان وهو لا يشعر به وخروجه ينقض الوضوء وهو نجس إلا أن نجاسته مخففة فإنه يكفي فيه النضح.
وقد جاء عن علي -رضي الله تعالى عنه-أنه قال: (كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأله فسأله فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فيه الوضوء).
فإذن: خروج المذي يوجب الوضوء وهو - كما قلنا- نجس إلا أن نجاسته مخففة لأنه يكفي فيه النضح. إذا أمذى الإنسان وهو صائم فهل خروج المذي يفسد الصوم؟ يرى المؤلف أنه يفسد الصوم وعده من المفسدات وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة والمالكية أيضاً ويعتبر من المفسدات عندهم وذلك للحديث السابق (يدع طعامه وشهوته من أجلي)، وأيضاً قياساً على المني قالوا: لأنه خارج تخلله شهوة فأشبه المني.
القول الثاني في المسألة: أن خروج المذي لا يفسد الصوم وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية قد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثميمين -رحمة الله تعالى على الجميع- لأنه لم يرد هناك دليل صحيح صريح يدل على أن المذي يفسد الصوم.
واعتبار المذي داخلاً في قوله: (وشهوته) غير ظاهر فإن هذا إنما يختص بالمني بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم كما في صحيح البخاري ومعلوم أن القبلة والمباشرة تحرك الشهوة ولا يخلو ذلك من خروج مذي في الغالب ولو كان يفسد الصوم لبين ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة, وأما قياس المذي على المني فقياس مع الفارق فإن المني يوجب الاغتسال والمذي لا يوجب الاغتسال والمني كذلك يكون مع تحلل الجسم والمذي ليس كذلك وهناك فروق كثيرة بينهما فلا يصح قياس أحدهما على الآخر وهذا هو القول الراجح في المسألة، إذن: القول الراجح في هذه المسألة- والله أعلم- هو أن المذي لا يفسد الصوم.
¥