ـ[فيصل الحربي]ــــــــ[25 - 08 - 08, 11:39 ص]ـ
الدرس الثاني والعشرين
باب الاعتكاف
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا هو الدرس الأخير في عمدة الفقه في هذه السلسلة من الدروس وسوف نتوقف بعد هذا الدرس فترة ثم تعود الدروس بعد شهر رمضان- إن شاء الله تعالى- وهذا الدرس سيكون أيضاً في آخر باب معنا من كتاب الصيام سوف نشرح مسائل الاعتكاف.
ولعل من التوفيق أيضاً أننا مقبلون على شهر رمضان وما بقي إلا أسبوعان أو أقل ولذلك فإن شرح مسائل هذا الباب مفيدة ومهمة نظراً لتوافقها مع مناسبة الزمان.
ليلة القدر
ولكن قبل أن نبدأ في شرح عبارة المؤلف في باب الاعتكاف بقيت معنا مسألة في الباب الذي قبله نبدأ بشرحها ثم ننتقل بعد ذلك إلى باب الاعتكاف بقيت معنا كلام المؤلف حول ليلة القدر وقد اختصر المؤلف -رحمه الله تعالى- الكلام حولها بقوله:
(وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) فأفادنا المؤلف -رحمه الله تعالى- بأن ليلة القدر إنما تكون في العشر الأواخر من رمضان وقد دل لذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) [أخرجه البخاري ومسلم] فهذا دليل على أن ليلة القدر لا تكون في غير العشر الأواخر وإنما هي منحصرة في العشر الأواخر وقد أخفى الله –تعالى- علمها عن العباد حتى يجتهدوا في العبادة وفي تحري هذه الليلة ليتبين من كان جاداً في طلبها ممن كان كسلانَ متهاوناً.
وهذا له نظائر فمثلاً ساعة الإجابة التي في يوم الجمعة كذلك أخفيت حتى يجتهد الناس في طلب هذه الساعة وحتى يكثروا من التعبد لله -عز وجل- وكذلك أيضاً ساعة الإجابة التي تكون بالليل فإن في كل ليلة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وقد أخفيت هذه الساعة كذلك حتى يجتهد الناس في طلبها فنجد أن هذا له نظائر والحكمة من هذا الإخفاء: حتى يجتهد الناس في طلب تلك الأوقات الفاضلة وأيضاً حتى يكثروا من التعبد لله -عز وجل- فإنه لو حددت ليلة القدر بليلة معينة اعتمد الناس واتكلوا على التعبد لله -عز وجل- في تلك الليلة وتركوا بقية الليالي ولكن لما أخفي علمها وقيل: إنها تكون في إحدى هذه الليالي العشر فإن هذا يكون دافعاً للمسلم لكي يجتهد في العبادة طيلة الليالي العشر من رمضان وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتني بهذه الليلة كثيراً فكان -عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر الأواخر من رمضان طلباً لهذه الليلة.
وبهذا نعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتفرغ تفرغاً كاملاً للعبادة في العشر الأواخر من رمضان وذلك كله طلباً لهذه الليلة العظيمة فكان ينقطع عن الدنيا انقطاعاً كاملاً ويتفرغ للآخرة في هذه العشر المباركة طلباً لهذه الليلة وهذه الليلة ليلة عظيمة ذكرها الله -عز وجل- في القرآن في موضعين:
الموضع الأول في سورة الدخان: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ?3?? [الدخان: 3] إلى آخر الآيات كذلك أيضاً أنزل الله- تعالى- في شأنها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ?1? وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ?2? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ?3? تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ?4? سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ?5?? [سورة القدر] فبين –سبحانه- أن هذه الليلة ليلة عظيمة شريفة ? وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ? هذا استفهام للتفخيم ولبيان عظيم شأنها ومنزلتها وقدرهها عند الله -عز وجل- وبين -عز وجل- أنه اختص هذه الليلة بإنزال القرآن فيها وللعلماء في ذلك رأيان:
القول الأول: أن المعنى أن القرآن نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وذلك مروي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فيكون المعنى أن القرآن نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.
¥