تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والقول الثاني: أن ابتداء نزول القرآن إنما كان في ليلة القدر فيكون معناه ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ? ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ? يعني ابتداء نزول القرآن في هذه الليلة وإلا فإننا نعلم أن القرآن نزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ثلاث وعشرين سنة لأنه نزل وعمره أربعون وبقي ينزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- منجماً مفرقاً إلى أن توفي -عليه الصلاة والسلام- وكان آخر ما نزل ? وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون? [البقرة: 281] فنعرف أن القرآن لم ينزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-دفعة واحدة وإنما نزل مفرقاً في عدة سنين.

فيكون المعنى إذن: أن ابتداء نزول القرآن إنما كان في هذه الليلة وهذا القول الثاني أقرب وأرجح وهو أن المعنى: ابتداء نزول القرآن إنما هو في ليلة القدر.

وأما القول بأنه نزل دفعة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا فهذا يرد عليه إشكال يعني: هل تكلم الله -عز وجل- به أكثر من مرة, يرد عليه بعض الإشكالات ولكن على القول الثاني لا يرد أي إشكال فيكون المعنى أن ابتداء نزول القرآن إنما كان في ليلة القدر.

وسميت هذه الليلة بهذا الاسم لأنها ليلة شريفة عظيمة فهي ذات قدر ولهذا سميت بليلة القدر وأيضاً وجه آخر وهو أن هذه الليلة تقدر فيه الأعمار والأرزاق والآجال ونحو ذلك مما يقضيه الله -عز وجل- في تلك السنة وذلك كما قال- سبحانه-: ? فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ?4? أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَا ? [الدخان: 4] فمعنى يفرق: يفصل من اللوح المحفوظ إلى الصحف التي بأيدي الملائكة كل ما قدره الله -عز وجل- وقضاه من أوامره المحكمة المتقنة التي لا خلل فيها ولا نقص بأي وجه من الوجوه وتكون بأيدي الملائكة فيكتب بأن فلان بن فلان أنه سيموت في هذه السنة وفلان بن فلان سيرزق وفلان بن فلان سيحصل له كذا وفلان بن فلان سيحصل له كذا جميع ما يقدره الله- تعالى- في تلك السنة يفصل من اللوح المحفوظ إلى الصحف التي بأيدي الملائكة.

بين الله -عز وجل- فضل هذه الليلة بقوله: ? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ? أي: أن العمل الصالح في هذه الليلة خير من العمل في ألف شهر, ليس مساوياً له بل خير منه وهذا يدل على الفضل العظيم للعمل الصالح في هذه الليلة وألف شهر تعادل ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر يعني: تعادل عمراً مديداً ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر.

ومع ذلك العمل في هذه الليلة خير من العمل في هذا العمر المديد وهذا يدل على أن الله -عز وجل- يوفق من شاء من عباده لاغتنام بعض الأوقات الفاضلة يعني من وفق لليلة القدر وتقبل منه فقد وفق لخير عظيم, العمل فيها خير من العمل في ألف شهر في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر وهذا فضل الله وفضل الله يؤتيه من يشاء.

وأخبر -عز وجل- بأن الملائكة أنها تنزل في هذه الليلة تنزل إلى الأرض تنزل الملائكة بما فيهم أعظم الملائكة وهو الروح وهو جبريل -عليه السلام- يتنزلون للسلام على المؤمنين ? تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ?4? سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ?5?? فيتنزلون للسلام على المؤمنين ورؤية تعبدهم لله -عز وجل- فالملائكة إذن تنزل في تلك الليلة والدعاء فيها أيضاً حري بالإجابة ولذلك ينبغي للمسلم أن يجتهد طيلة العشر الأوخر من رمضان حتى يدرك هذه الليلة العظيمة وقدوتنا في هذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يتفرغ تفرغاً كاملاً للعبادة طيلة العشر الأواخر من رمضان وذلك باعتكافه -عليه الصلاة والسلام.

هل هي ثابتة أم تنتقل؟

وقد اختلف العلماء في هذه الليلة هل هي ثابتة في جميع السنوات أو أنها تتنقل فتكون مثلاً في سنة ليلةَ إحدى وعشرين وفي سنة أخرى مثلاً ليلة سبع وعشرين وفي سنة أخرى مثلاً ليلة خمس وعشرين أم أنها ليلة ثابتة في جميع السنوات؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير