فنجد أن النذر إما أنه يجب الوفاء به كما في نذر الطاعة أو أنه إذا لم يفِ به في غير نذر الطاعة يجب عليه كفارة يمين في جميع أنواع النذر ولو كان نذر معصية يجب عليه أن يكفر كفارة يمين.
فنقول: إذن الاعتكاف يجب بالنذر ولذلك قال المصنف: (فيجب الوفاء به)
قال: (ويصح من المرأة في كل مسجد) أفادنا المؤلف أن الاعتكاف يكون من النساء كما يكون من الرجال ولكن يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد ولذلك إذا أرادت المرأة أن تعتكف لابد أن تعتكف في مسجد ولكن هنا ينبغي أن يلاحظ مسألة أمن الفتنة إذا أرادت أن تعتكف في مسجد فلابد أن يكون المكان الذي تعتكف فيه مأموناً وليس فيه تعريضاً لهذه المرأة للفتنة أما إذا كانت هذه المرأة لو اعتكفت لتعرضت للفتنة منها وبها فهنا لوليها أن يمنعها من ذلك لكن لو كان مكاناً مهيأً للنساء تماماً ومأموناً وليس فيه تعريض للفتنة فإن المرأة كالرجل في هذا يسن لها أن تعتكف وقد اعتكف نساء النبي -صلى الله عليه وسلم– معه وبعده فدل ذلك على أن النساء كالرجال في هذه المسائل وأن السنة أن يعتكفن كما يعتكف الرجال لكن بهذا القيد وهو أمن الفتنة.
قال المصنف: (ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيته) فأفادنا المؤلف أن مسجد بيتها وهو المكان الذي تصلي فيه في بيتها أنه لا يصح الاعتكاف فيه لأنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد, فلو كان للمرأة مكان تصلي فيه دائماً في بيتها ليس لها أن تقول: أنا أريد أن أعتكف في هذا المكان الاعتكاف لابد أن يكون في مسجد ولهذا روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- (أنه سئل عن امرأة أرادت أن تعتكف في مسجد بيتها فقال ابن عباس- رضي الله عنها-: هذا بدعة. قال: وأبغض الأعمال إلى الله البدع لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة) ذكره ابن مفلح في الفروع وقال: إسناده جيد.
إذن: لابد أن يكون الاعتكاف في مسجد سواء كان من الرجال أو من النساء وبهذا يعلم أن ما يسمى مصلى وليس مسجداً لا يصح الاعتكاف فيه لو كان مثلاً هناك مصلى في مدرسة مثلاً أو في دائرة حكومية أو في أي مؤسسة لا يصح الاعتكاف فيه لابد أن يكون الاعتكاف في مسجد وذلك بأن تكون أرضه موقوفة ليست ملكاً لأحد ويصلى فيه الصلوات الخمس أو بعضها لكن المهم أن تكون أرضه موقوفة أما إذا كانت أرضه مملوكة فإن هذا مصلى وليس مسجداً ولا يصح الاعتكاف فيه.
إذن: يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد.
قال: (ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة) وذلك لأن الجماعة واجبة على الرجل واعتكافه في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى كثرة خروجه من المسجد وذلك لإدراك الجماعة وهذا الخروج المتكرر ينافي الاعتكاف ولذلك قال المصنف: (لا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة) والأفضل أيضاً أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة ولهذا قال المصنف: (واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل) وذلك حتى لا يحتاج إلى الخروج إلى الجمعة ولكن لو اعتكف في مسجد تقام فيه الجماعة ولا تقام فيه الجمعة هل اعتكافه صحيح أم لا؟
اعتكافه صحيح
لأنه يشترط فقط أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة ولا يشترط أن تقام فيه الجمعة ولكن يستحب من باب الاستحباب أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة.
ولا يشترط أن يكون في المساجد الثلاثة والحديث المروي في ذلك (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى) الحديث الوارد في ذلك ضعيف ضعفه أكثر أهل العلم وإن صح هذا الحديث فالمعنى لا اعتكاف كامل جمعاً بينه وبين النصوص الأخرى ومنه قول الله -عز وجل-: ?وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? [البقرة: 187] وأطلق وما روي في ذلك من آثار عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فيكون المعنى لو صح هذا الحديث: لا اعتكاف كامل وهو كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة بحضرة طعام) لكن لو أنه صلى وهو بحضرة الطعام فصلاته صحيحة.
إذن: أقول هذا لأن بعض العلماء المعاصرين قال: إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة واعتمد على هذ الحديث لكنه كما ذكرنا ضعفه أكثر أهل العلم ولو صح فإنه لا يدل على أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة وإنما يدل على أن أفضل وأكمل ما يكون الاعتكاف في المساجد الثلاثة.
¥