قال: (ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره إلا في المساجد الثلاثة) من نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد يقول المصنف: لا يتعين ذلك المسجد لاعتكافه بل له أن يعتكف في غيره من المساجد وذلك لأن المساجد لا مزية لأحدها على الآخر وكلها في الفضيلة سواء وقال بعض أهل العلم: إن كان ذلك المسجد الذي عينه ونذر الاعتكاف فيه إن كان له مزية لكونه مثلاً تقام فيه الجمعة أو لكونه أكثر جماعة فإنه يلزمه أن يعتكف فيه وهذا قول أقرب وأرجح-والله تعالى أعلم.
نقول: إذا كان المسجد له مزية كأن يكون تقام فيه الجمعة أو كان أكثر جماعة فيتعين ذلك المسجد وليس له أن يعتكف في غيره من المساجد وذلك لأن هذا النذر نذر طاعة ونذر الطاعة يجب الوفاء به كما نذره صاحبه فإذا كان ذلك المسجد له مزية فليس له أن يعتكف في غيره.
أما إذا لم يكن له مزية عن غيره من المساجد فله أن يعتكف في أي مسجد وكذا لو نذر أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجماعة ثم أراد أن ينتقل إلى مسجد تقام فيه الجمعة, فهنا أراد أن ينتقل لما هو أفضل فهذا لا بأس به, وهكذا لو نذر أن يعتكف في مسجد تقام فهي الجمعة ثم أراد أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى فلا بأس بذلك؛ ولهذا قال المصنف (إلا المساجد الثلاثة فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام لزمه) لأن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه والصلاة في المسجد الحرام أفضل من غيره من بقاع الأرض فالصلاة في المسجد الحرام كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه قال: (صلاتهم في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) [أخرجه مسلم].
وهذا يدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام ومائة ألف صلاة حسَبَهَا بعض أهل العلم وقال: إنها تعادل ما لو صلى الإنسان الصلوات الخمس خمساً وخمسين سنة, يعني: لو صلى مثلاً صلاة فريضة في المسجد الحرام فهي أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه, لو أن الإنسان صلى في غير المسجد الحرام الصلوات الخمس لاستغرق ذلك من عمره خمساً وخمسين سنة، وهذا يدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام ولذلك من نذر الاعتكاف أو الصلاة في المسجد الحرام لزمه ذلك وتعين عليه ولم يجز له أن ينتقل إلى غيره.
قال: (وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول -صلى الله عليه وسلم- جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام) لماذا؟ لماذا يجوز له ذلك؟
لأنه أفضل
نعم لأنه انتقل إلى ما هو أفضل نحن قلنا: إذا أراد الانتقال إلى ما هو أفضل جاز له ذلك ويدل لذلك ما جاء في سنن أبي داود (أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني نذرت إن فتح الله عليك) يعني: مكة (أن أصلي في المسجد الأقصى أو قال في بيت المقدس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: صلِّ ها هن) يعني: في المسجد الحرام (فكرر عليه فقال: صلِّ ها هنا, فأعاد عليه فقال: صلِّ ها هنا, فأعاد عليه فقال: شأنك إذن) [أخرجه أبو داود بسند صحيح].
فهنا هو أراد أن يصلي في المسجد الأقصى فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفي بنذره بالصلاة في المسجد الحرام لماذا؟ لأنه إذا صلى في المسجد الحرام انتقل إلى ما هو أفضل ونحن قلنا: إنه في باب النذر إذا انتقل إلى ما هو أفضل لا بأس بذلك. فإذن: من نذر أن يصلي في المسجد الأقصى أو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يجوز له أن يفي بذلك النذر في المسجد الحرام، ولذلك قال المصنف: (وإن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فله فعله في أيهما أحب) فعله في أيهما يرجع على ماذا؟
المسجد النبوي والمسجد الحرام
أحسنت. المسجد النبوي والمسجد الحرام لأن الصلاة في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى والصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي والمسجد الأقصى, وقد ورد في الحديث الصحيح (أن الصلاة في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة فيما سواه والصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد والصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد).
ـ[فيصل الحربي]ــــــــ[25 - 08 - 08, 11:52 ص]ـ
¥