تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن هذ القياس في الحقيقة قياس مع الفارق إذ إن الاشتراط في الحج إنما هو اشتراط فيما إذا حبسه حابس أن يتحلل من الحج, وأما الاشتراط في الاعتكاف: فهو اشتراط لفعل أمور تنافي الاعتكاف وليس اشتراطاً فيما إذا حبس الإنسان حابس عن الاعتكاف لأن الاعتكاف أصلاً سنة فلا يتوجه القول بأن له أن يشترط فيما إذا حبسه حابس، وحينئذ يكون القياس قياساً مع الفارق. نعم, ربما يقال بهذا القياس في حق من قال: إن الاعتكاف يجب بالشروع فيه لكنه قول ضعيف والصحيح أن الاعتكاف سنة وحينئذ الاعتكاف ما دام أنه سنة وليس واجباً ولا يجب بالشروع فيه, فكيف يكون الاشتراط؟!! إذن: إذا قسناه على الاشتراط في الحج فإن الاشتراط في الحج فيما يكون حتى يتحلل الحاج فيما إذا حبسه حابس أو حصل له عائق يعوقه وهذا غير وارد في الاعتكاف لأن الاعتكاف ليس واجباً أصلاً وإنما هو مستحب فيكون هذا القياس أيضاً قياساً مع الفارق وقاسه بعض الفقهاء على الشرط في الوقف وهذا أيضاً قياس غير صحيح لأن الشرط في الوقف إنما هو شرط في تفريعات هذا الوقف وتفاصيله فيشترط الواقف بعض الشروط ولكن الشرط في الاعتكاف هو شرط لأمر ينافي الاعتكاف وهو الخروج.

ولهذا لا نجد في الحقيقة دليلاً من السنة ولا آثاراً عن الصحابة تدل على صحة الاشتراط في الاعتكاف والقياس الذي ذكره بعض الفقهاء لا يصح فالصواب إذن عدم صحة الاشتراط في الاعتكاف وهذا هو القول الصحيح في المسألة وكذلك لأن الاعتكاف مستحب وليس واجباً فإذا أراد الإنسان أن يقطعه جاز له ذلك وقد مر معنا في الدرس السابق أن جميع النوافل يجوز لمن شرع فيها أن يقطعها إلا نافلة واحدة فإنها تلزم بالشروع فيها, ما هي العبادة التي تلزم بالشروع فيها؟ الحج والعمرة فيلزمان بالشروع فيهما, فالاعتكاف إذن: لا يلزم بالشروع فيها فإذا أراد الإنسان أن يقطعه قطعه.

أما القول بأنه يعتكف ثم يشترط الخروج فإن هذا الخروج ينافي الاعتكاف وأما عيادة المريض وتشييع الجنازة فروي عن بعض الصحابة أنه رخص في ذلك من غير اشتراط, فقد روي ذلك عن علي -رضي الله تعالى عنه- وعن عمرو بن حريث لكن روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول: (إن كنت لأدخل البيت للحاجة- والمريض فيه- فما أسأل عنه) وهذا ما أشار إليه المؤلف بقوله: (وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز) هذا مروي عن عائشة -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلم وإن كان قد ورد في سنن أبي داود مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن ليس هناك شيء صريح عن الصحابة في منع عيادة المريض وتشييع الجنازة وإنما المروي عن عائشة أنها (كانت تمر على المريض فتسأل عنه وتتحاشى المكث عنده) ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا بأس بعيادة المريض واتباع الجنازة للمعتكف وأن هذا يدخل في حاجة الإنسان.

ولكن نقول: إذا كان ذلك المريض حقه متأكد عليك كأن يكون والداً أو ولداً أو نحو ذلك فلا بأس أن تخرج لعيادته وهكذا بالنسبة للجنازة أما إذا كان حقه ليس متأكداً عليك فالأولى أن تبقى في معتكفك ولا تخرج منه لعيادة المريض ولا لاتباع الجنازة هذا قول وسط بين القولين في هذه المسألة وأما الاشتراط لغير عيادة المريض واتباع الجنازة فإن قول الاشتراط لا يصح, لكن الخروج لغير ذلك خروج ينافي الاعتكاف لأن الخروج في الحقيقة ينافي الاعتكاف إلا إذا كان خروجا لما لابد منه (والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما زارته صفية زوجه بقي معها يتحدث ساعة ثم لما أرادت أن ترجع إلى بيتها ذهب معها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليشيعها فرآه رجلان من الأنصار فقال: على رسلكما إنها صفية فقالوا: يا رسول الله إنا لا نشك فيك فقال: إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شراً, إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) فتشييع النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجه هنا يدخل في الحاجة التي حاجة الإنسان فكذلك أيضاً عيادة المريض واتباع الجنازة لكن قلنا: ينبغي أن يقصر ذلك على من كان له عليك حق متأكد كوالد أو ولد ونحو ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير