وما رعد بعد برقه) يعني الرعد والبرق معلومان.
يقول (أما بعد هذا كتاب أحكام في الفقه، اختصرته حسب الإمكان، واقتصرت فيه على قول واحد؛ ليكون عمدة لقارئه، ولا يلتبس عليه الصواب باختلاف الوجوه والروايات، سألني بعض أصحابنا تلخيصه؛ ليقرب على المتعلمين ويسهل حفظه على الطالبين، فأجبته إلى ذلك معتمداً على الله –سبحانه- في إخلاص القصد لوجهه الكريم، والمعونة على الوصول إلى رضوانه العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأودعته أحاديث صحيحة؛ تبركاً بها، واعتماداً عليها، وجعلتها من الصحاح، لأستغني عن نسبتها إليه)
نعم، هذا كما لاحظتم وسمعتم كتاب في الفقه؛ ولهذا قال: (هذا كتاب أحكام في الفقه) وإنما قال: كتابُ أحكامٍ بصيغة النكرة هنا؛ ليشير إلى أنه كتاب مختصر شامل لبعض أحكام وليس كل الأحكام التي ينبغي ذكرها في كل باب، وهو كما قال: تضمن أحكاماً انتقاها، تعتبر أساسيات لهذا العلم في كل باب من الأبواب المختلفة.
(اختصرته حسب الإمكان) يعني قدر الاستطاعة، (واقتصرت فيه على قول واحد) وهو كما قال: أنه صار في الكتاب على قول واحد، وباعتبار أن ابن قدامة من علماء الحنابلة فهو اختصر على قول واحد في المذهب الحنبلي قال: (ليكون عمدة لقارئه) يعتمد عليه من يقرأ، أو من يتعلم، أو من يدرس هذا الكتاب في معرفة أساسيات هذا العلم العظيم، ولا يلتبس عليه الصواب باختلاف الوجوه والروايات، يقولون أنني لم أذكر الخلاف في مثل هذا الكتاب وهو موجه للمبتدئين؛ خشية من أن يلتبس الأمر، ويشوش الذهن على المبتدئين في التعليم.
وهذا المنهج ينبغي أن يسلك في التعلم، عند بداية التعلم ينبغي أن يسار على قول واحد، وأن تعتمد الكتب أو المؤلفات التي لا تشتت ذهن طالب العلم في الأقوال المختلفة، وفى المناقشات المختلفة؛ لأن هذا يشوش ذهنه، وبينما اعتماد كتاب على قول واحد هذا مما يؤسس طالب العلم، ويجمع ذهنه على مسائل الفقه.
أفادنا في قوله (سألني بعض أصحابنا) يعني أن تأليف هذا الكتاب بناءً على طلب ولا سيماً تلخيص، يعني تأليف مؤلف مختصر على هذا النحو بناء على طلب بعض طلاب العلم أو بعض الأصحاب.
قوله (معتمداً على الله - سبحانه وتعالى – في إخلاص القصد لوجهه الكريم) هذا أمر معلوم وهو من عادة أيضاً المؤلفين أن يقصد بتأليفهم وجه الله -تبارك وتعالى- وأن يطلب منه أيضاً العون والسداد والتوفيق كما قال.
أشار أيضا في نهاية هذه المقدمة إلى ما ذكرته في بداية ذلك من أنه اعتمد بعض الأحاديث الصحيحة، في بداية الأبواب أو على أهم المسائل، وإنما اختار هذه الأحاديث الصحيحة؛ ليستغني بذلك عن أن ينسبها ويخرجها أو يعزوها إلى مراجعها.
(كتاب الطهارة، باب أحكام المياه، خلق الماء طهوراً يطهر من الأحداث والنجاسات، ولا تحصل الطهارة بمائع غيره، فإذا بلغ قلتين، أو كان جارياً لم ينجسه شيء إلا ماغير لونه أو طعمه أو ريحه).
المؤلف -رحمه الله تعالى- بدأ بأحكام المياه، وأحكام المياه وما يذكر فيما يتعلق بالمياه باب من أبواب الطهارة، والطهارة: كلمة أشمل تشمل المياه، وتشمل ما سيأتي من أبواب مرتبة بعضها على بعض، وبعضها يكمل بعض قد يسأل سائل ويقول: لماذا يبدأ المؤلفون في كتب الفقه -عادة أو غالباً- مؤلفاتهم بكتاب الطهارة؟ لماذا لم يبدءوا –مثلا- بكتاب الصلاة، أو بكتب العقيدة، فيما يتعلق بالتوحيد، فيما يتعلق بالاعتقاد، وفيما يتعلق بذلك؟
الجواب على هذا: أننا لما ننظر في الأحاديث التي بينت أركان الإسلام، وأركان الإسلام هي الواجبات الدينية العظيمة، هي العمد التي يقوم عليها هذا الدين، نجد أن هذه الأحاديث كحديث ابن عمر وغيره (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله .... ) إلخ.
هذه الأحاديث ذكرت أولاً: الشهادتين، ثم الصلاة، ثم أداء الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج بهذا الترتيب، فالترتيب المنطقي في التأليف أن ينطلق مع هذا الترتيب النبوي.
¥