تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنا لا نملك إلا أن نقف أمام عظمة الإسلام، وصحة مبادئه، ودقة تشريعه، وسلامة حكمه، وصدق منهجه، مطأطئي الرؤوس إجلالاً وإكباراً، وممتلئي النفوس اعتزازاً وفخراً، مدركين للحكمة العظيمة من ذلك الموقف الحازم الحاسم الذي وقفه الإسلام من فتنة التصوير قبل أن تظهر بصورتها الحالية المدمرة للأخلاق والقيم، حيث حرم تحريماً قاطعاً صور ذوات الأرواح، ورتب أشد العقاب على المصورين الذين بسببهم تشيع هذه الفتنة ويعم الفساد فحسم بذلك مادة هذه الفتنة، واجتث بتحريمها شجرة الانحراف والفساد الناتج عنها.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم) متفق عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه، وقال:

(يا عائشة، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) قالت: فقطعناه، فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسٌ فيعذبه في جهنم).

قال ابن عباس: فإن كنت لابد فاعلاً، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفق عليه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون). متفق عليه.

وهذه الأحاديث جميعها تدل على أن الصورة المحرمة هي صورة ما فيه روح، وحديث ابن مسعود عام يخصص بالأحاديث التي قبله فيما له روح.

كما أنها تدل على أن كل ما هو صورة لذوات الأرواح فهو محرم، وكل مصور لها معرض للعقاب الشديد يوم القيامة.

وقد دلت اللغة، وأجمع الناس في سائر الأمم على أن لفظ الصورة يطلق على جميع أنواع الصور، ما كان منها مرسوما باليد، وما كان مصوراً بالآلة، ثابتاً أو متحركاً، و ما كان منها منحوتاً مجسماً، فكل ذلك يسمى (صورة). وكل فعل تنشأ عنه الصورة يسمى تصويراً سواء كان باليد أو الآلة.

وسل من شئت من بني آدم على هذه البسيطة، فلن تجد إلا جواباً واحداً، يقول عن الصورة أنها صورة، وعن الفعل الذي تنشأ عنه أنه تصوير.

وما تكلفه بعض الفقهاء من المسلمين من محاولة إخراج الصورة الفوتوغرافية أو المتحركة، أو المرسومة غير المجسمة، أو المجسمة غير المكتملة، عن كونها صورة، وبالتالي إخراج الفعل الذي تنشا عنه هذه الأنواع عن كونه تصويراً، هو تكلف لا مساغ له شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً ولا لغة مع مصادمته للنصوص الصريحة الصحيحة، إلا حرص هؤلاء على رفع الحرج عن المفتونين بالتصوير في عصرنا الحاضر وما أكثرهم، دون التفات ممحص إلى اثأر هذه الفتنة على عقائد الناس وأخلاقهم. هذا التكلف الذي كاد يطفئ نور الحكمة الشرعية، ويف8مس معالم النذير الإسلامي من مغبة تصوير ماله روح، ويسمح لفتنتي التقديس والإثارة الجسدية المدمرتين للعقائد والأخلاق بالبقاء والاستمرار، دون تحذير و لا نذير.

هذا التكلف الفقهي يجب أن يعاد النظر فيه، على ضوء حقيقة التصوير، ومآلاته التي تنأى بالبشرية عن العبودية الحقة لخالقها، والامتثال الصادق لأمره ونهيه، وتطوح بها إلى مهاوي الشرك، ومرامي الرذيلة.

وليست علة المضاهاة الواردة في النص هي العلة الوحيدة للتحريم - وقد حاول بعضهم نفيها عن بعض أنواع التصوير تكلفاً مع ثبوتها فيه - بل التقديس والفتنة كذلك علتان ظاهرتان في تحريم صور ذوات الأرواح، فهذه ثلاث علل تكفي واحدة منها لتحريم التصوير بكافة أنواعه وأشكاله.

أما الضرورة في استعمال التصوير - إن وجدت - فتقدر بقدرها، كما هي القاعدة الشرعية، وذلك في مثل إثبات الشخصية، وبعض الأحوال الجنائية، ونحوها، من غير توسع في ذلك.

ولكن قل لي أيها القارئ اللبيب – أرشدك الله – أين الضرورة فيما يدعيه جملة من الدعاة اليوم بأن ظهور صورهم في الصحف والمجلات أو على الشاشات من باب الضرورة للدعوة؟

وهل إذا كتبوا أو تكلموا من غير أن تظهر صورهم تكون دعوتهم غير صحيحة أو ناقصة أو غير مؤثرة؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير