تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - قال الفضيل بن عياض رحمه الله:" من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع "، وقال:" آكل مع يهودي ونصراني، ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد"، وقال:" إذا علم الله عز وجل من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له وإن قل عمله، ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا، ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة "

فهذا الكلام كسابقه قاله الفضيل رحمه الله في ظروف معينة، فمن الخطأ إجراؤه على إطلاقه، فيقال في حق كل من وقع ببدعة، بل ينبغي للمرء أن يسائل نفسه حين يقرأ هذا الكلام: أيهما أشد جرما: الكافر أم المبتدع؟ لا شك أن الكافر أعظم جرما، ومع ذلك فهل عامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكفار بمثل هذا؟ أم كانوا يعاملونهم في كل حالة بما يليق؟. (فقه الرد/16).

أقول: لم يوضح المؤلف علاقة ماذكره هنا بموضوع رد المخالفة، فكل ماذكره هنا يتعلق بالتعامل العام مع أهل البدع، ولا يرتبط ارتباطا مباشرا بما يكتب للرد على المخالفة، فمن يريد أن يكتب في رد مباشر على بدعة من البدع أو انحراف معين فطريق ذلك أن يأتي بأدلته الشرعية العامة والخاصة في إبطال تلك البدعة، ويبين مفاسدها وأضرارها، ويحذر المسلمين منها، ولا يلزمه في كتابة رده أن يستحضر ماذكره المؤلف هنا من المعاملة العامة لأهل البدع.

وماذكره المؤلف هنا قد عرضه في صورة يفهم منها ما لا يريده هو نفسه وما لا يقصد إليه، إذ يفهم من كلامه بوضوح أنه ليس هناك قاعدة عند العلماء من السلف وأتباعهم في هذه المسألة، وأن كل ما ورد عنهم فهي قضايا فردية قيلت في ظروف معينة، فلا يؤخذ بها. وهو ما يردده كثير من المغرضين اليوم الذين ينادون بالتسامح الديني، ويدخلون تحت هذا الشعار كل عدو للإسلام وأهله، وكلما احتج أحد عليهم بمواقف السلف الصالح؛ قالوا: هذه قضايا فردية لها ظروف معينة، ولا يجوز الأخذ بها في أيامنا هذه. فإذا رأوا من علماء أهل السنة من يطلق مثل هذا القول، طاروا بذلك فرحا، واحتجوا به على أهل السنة، وقالوا: لماذا تجيزون لأنفسكم أن تقولوا عن بعض عبارات السلف: إنها قضايا فردية قيلت في ظروف معينة، ولا تجيزون لنا أن نقول هذا في عبارات أخرى للسلف تحتجون بها أنتم على موقفكم من أهل البدع وتدعون أنه موقف السلف؟!

والحاصل أن الإطلاق الذي ذكره المؤلف – حفظه الله – غير صحيح، فهناك قاعدة عامة في هذه المسألة، وقد تكاثرت نصوص العلماء ومواقفهم في بيانها وتقريرها والعمل بها.

قال ابن أبي زمنين: ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم. (أصول السنة /293).

وقال إسماعيل الصابوني في وصف عقيدة السلف وأصحاب الحديث: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم.

(عقيدة السلف/100).

وقال البغوي: فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حيا. قال: وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم. (شرح السنة 1/ 27).

وقال النووي في ذكر فوائد أحد الأحاديث: فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائما. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما. (شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 106).

وقال عبداللطيف بن حسن آل الشيخ: ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها، وعن إمام أهل السنة أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل – قدس الله روحه – التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير