تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[28 - 08 - 08, 12:54 ص]ـ

النكتة السادسة عشرة

قال المؤلف حفظه الله: ثم قارن هذا كله مع حال شيخ الإسلام رحمه الله فقد ألب عليه خصومه من المبتدعة الملك الناصر، وأفتوا بقتله، وحكموا بكفره، ثم لما غضب الملك الناصر عليهم في بعض ما جرى منهم بحقه، وأراد أن ينتقم منهم أحضر شيخ الإسلام، وأخرج له فتاواهم فيه بخطوطهم، واستشاره فيهم فخوفه شيخ الإسلام من قتلهم أو الانتقام منهم ... وذكر المؤلف عدة صور لعفوه إلى أن قال: فهذه المواقف من شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأنه عاش في عصر تفشت فيه البدع والأهواء والضلالات، وصار أهل السنة غرباء، بل كان أهل البدع يرون أنهم أهل السنة والمدافعون عنها، فمثل هذه الحال لا يتعامل معها بمثل ما يتعامل به مع البدع وأهلها في أوائل ظهورها مع ذيوع السنة واشتهارها. (فقه الرد/18).

أقول: لا تلازم بين العفو عن المظالم الشخصية والرد على المخالف في مخالفته، والإمام ابن تيمية رحمه الله قد عفا عن أعدائه من المبتدعة عدوانهم عليه وإيذاءهم إياه، لكنه لم يترك الرد عليهم، فقد رد عليهم بردود كثيرة بين فيها بطلان بدعتهم، وجادلهم، وناظرهم، وهذا من أكبر أسباب عداوتهم له.

وعفوه عنهم لم يكن من جهة بدعتهم، لأن هذا شيء لا يملكه، وإنما كان عفوه عنهم من جهة ظلمهم لشخصه، ويدل على ذلك قول الإمام ابن تيمية: " تعلمون كثرة ما وقع في هذه القضية من الأكاذيب المفتراة والأغاليط المظنونة والأهواء الفاسدة، وأن ذلك أمر يجل عن الوصف، وكل ما قيل من كذب وزور فهو في حقنا خير ونعمة قال تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} (النور:11) وقد أظهرالله من نور الحق وبرهانه ما رد به إفك الكاذب وبهتانه، فلا أحب أن يُنتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإنى قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم. (مجموع الفتاوى 28/ 55، وقد نقل بعضه المؤلف في حديثه عن عفو ابن تيمية).

وأما نهي الإمام ابن تيمية الملك الناصر عن معاقبة أعدائه من المبتدعة فذلك لأن عقابه إياهم لم يكن على بدعتهم، وإنما على سعيهم في عزله، فأراد قتلهم لذلك، اعتمادا على فتوى يصدرها ابن تيمية. يبين هذا قول ابن كثير: وسمعت الشيخ تقي الدين [يعني الإمام ابن تيمية] يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا، وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير، ففهم الشيخ مراد السلطان، فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحدا منهم بسوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا، فقال الشيخ: من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي. وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح. (البداية والنهاية 14/ 54).

والمقصود أن عفوه عنهم ليس " لأنه عاش في عصر تفشت فيه البدع والأهواء والضلالات، وصار أهل السنة غرباء، فمثل هذه الحال لا يتعامل معها بمثل ما يتعامل به مع البدع وأهلها في أوائل ظهورها مع ذيوع السنة واشتهارها " كما قال المؤلف حفظه الله، فالسلطان لم يعاقبهم على بدعتهم أصلا حتى يقال: إن ابن تيمية تدخل وطلب العفو عنهم للعلة التي ذكرها المؤلف، ولم يوكل إليه الحكم عليهم لبدعتهم، بل الذي حصل في آخر الأمر أنه هو الذي سُجن في القلعة بسبب فتواهم فيه وحكمهم عليه، وتوفي فيها مظلوما. والحاصل أن عفوه عنهم لا علاقة له ببدعتهم، وإنما كان لظلمهم لشخصه، فعفا عنهم عملا بالنصوص الواردة في فضل العفو، كقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} (آل عمران

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير