:134)، والأحاديث المروية في فضل من عفا عمن ظلمه، ووصل من قطعه، وأحسن إلى من أساء إليه.
وعفو أئمة أهل السنة عمن ظلمهم كثير، وغير مرتبط بالبدعة، وقد عفا الإمام أحمد عن المعتصم، وهو من المعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق، فعفا عن ضربه إياه، وقال: أحللت المعتصم من ضربي. وعفا عمن وشى به إلى السلطان، ولو أشار أحمد على السلطان بقتله لفعل، ولكنه عفا عنه، وقال: لعله يكون له صبيان يحزنهم قتله. (انظر مناقب الإمام أحمد /303). وقال الإمام أحمد لابنه صالح: مررت بهذه الآية {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} (الشورى:40) فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم حدثنا المبارك قال: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جثت الأمم بين يدي الله تبارك وتعالى يوم القيامة نودوا: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدا. (سيرة الإمام أحمد لابنه صالح/64).
النكتة السابعة عشرة
نقل المؤلف حفظه الله قول ابن قتيبة:" فإنه ربما ورد الشيخ المصر، فقعد للحديث، وهو من الأدب غفل ومن التمييز ليس له من معاني العلم إلا تقادم سنه، فيبدؤونه قبل الكتاب بالمحنة، فالويل له من إن تلعثم أو تمكث أو سعل أو تنحنح قبل أن يعطيهم مايريدون ... إلى آخر ماذكره. (فقه الرد /18).
أقول: لا علاقة لهذا بالرد على المخالف الذي هو موضوع الكتاب.
النكتة الثامنة عشرة
قال المؤلف حفظه الله: بل لربما يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاء القول الراجح عليه لما في ظهوره من المشقة والشدة عليه. (فقه الرد/28).
أقول: كيف يكون هذا؟! وقد قال الله تعالى: {وماجعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78)، وقال: {مايريد الله ليجعل عليكم من حرج} (المائدة:6)، وقال: {يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر} (البقرة: 185). ومن القواعد الفقهية المقررة: "المشقة تجلب التيسير"، و"إذا ضاق الأمر اتسع" و"الضرورات تبيح المحظورات".
وعبارة المؤلف منقولة بالمعنى عن الإمام ابن تيمية، وقد ذكر المؤلف حفظه الله ذلك في الحاشية، لكنني أرى أن عبارة ابن تيمية أدق، وأسلم من الاعتراض، فقد قال: الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه؛ لما في ظهوره من الشدة عليه، ويكون من باب قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (المائدة:101) (مجموع الفتاوى 14/ 159).
فقيد ابن تيمية ماذكره بهذه الآية، ومعلوم أن هذه الآية لا يراد بها المسائل الشرعية المطلوب من المكلف القيام بها؛ فقد قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون} (الأنبياء:7)، قال السعدي في تفسير آية المائدة: ينهى الله عباده المؤمنين، عن سؤال الأشياء، التي إذا بينت لهم، ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل، لم يكن له فيه خير. (تفسير السعدي /245).
النكتة التاسعة عشرة
قال المؤلف حفظه الله: وقد حفظ لنا التاريخ ما وقع لكثير من مؤسسي البدع والضلالات وبعض أتباعهم ثم قال في الحاشية: وهذه بعض النماذج من حال ومآل الرواد الأوائل من أصحاب المقالات المنحرفة .. فذكر ثمانية، وهم: معبد الجهني، وغيلان الدمشقي، والجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، والحارث المحاسبي، وأبوعلي الثقفي، وأبوالحسن الأشعري، وأبوبكر الباقلاني. (فقه الرد/44 - 46).
أقول: أما الأربعة الأوائل فهم من رؤوس الضلالة وقد قتلوا في بدعتهم، بل إن جهما وغيلان والجعد زنادقة، وقد قتلوا على الزندقة كما ذكر الإمام ابن تيمية. (انظر مجموع الفتاوى 2/ 485). وأما الأربعة الأواخر فلا يجوز أن يجعلوا مع أولئك الزنادقة في سياق واحد على النحو الذي فعله المؤلف، فمنهم من وقع في أخطاء وبدع لكنه تاب، ومنهم من وقع في بدع، لكنه خدم الدين والعلم في أبواب أخرى، وبدعه التي وقع فيها لا تجعله بمنزلة أولئك الزنادقة، ولا أن يقرن بهم. وقد ذكر المؤلف في تراجم الأربعة الأواخر أشياء ليست دقيقة أو تحتاج إلى توضيح. وفيما يلي بيان ذلك بالتفصيل.
قال المؤلف حفظه الله:
¥