الشيخ تكلم على حسب مانقل له عنهم، فقبح الله البهتان، ومن يمشي بالنميمة.
ثم ذكر الحاكم أن ابن خزيمة اجتمع معهم، فسألوه عما ينكره عليهم ليرجعوا عنه، فذكر لهم، فأخرجوا له عقيدتهم مكتوبة، فقرأها ابن خزيمة ثم قال: لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به .. إلى آخر القصة التي يضيق هذا المقام عن بسطها.
(انظر سير أعلام النبلاء 14/ 377 - 381، درء التعارض 2/ 9، تاريخ دمشق 41/ 214).
وقد نقل الإمام ابن تيمية شيئا من هذه العقيدة في بعض ماكتب، فقال: ذكره أبو علي الثقفي والصبغي وغيرهما من أصحاب ابن خزيمة في العقيدة التي اتفقوا هم وابن خزيمة على أنها مذهب أهل السنة.
(مجموع الفتاوى 5/ 528).
وقال: كما ذكره الثقفي والصبغي وغيرهما من أصحاب أبي بكر محمد بن خزيمة في العقيدة التي كتبوها وقرؤوها على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة لما وقع بينهم النزاع في مسألة القرآن.
(مجموع الفتاوى 5/ 379).
وقد كان أبوعلي الثقفي ذا علم غزير وتمكن من الفتوى، وقد شهد له بذلك شيخه ابن خزيمة، فقد استفتي ابن خزيمة في مسائل فدعا بدواة ثم قال لأبي علي الثقفي: أجب، فأخذ أبوعلي القلم وجعل يكتب الأجوبة، ويضعها بين يدي ابن خزيمة، وهو ينظر فيها، ويتأمل مسألة مسألة فلما فرغ منها قال له: يا أبا علي، ما يحل لأحد منا بخراسان أن يفتي وأنت حي. (طبقات الشافعية الكبرى 3/ 193).
ووصفه الحاكم فقال: هوالإمام المقتدى به في الفقه والكلام والدين والقول والوعظ. (طبقات الفقهاء/201)
والحاصل أن أباعلي الثقفي وقع في بدع قد تاب منها كما ذكر الإمام ابن تيمية، وكما قال إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني: استتيب الصبغي والثقفي على قبر ابن خزيمة. (درء التعارض 2/ 82).
وعلى فرض أنه لم يتب من البدع التي وقع فيها فتلك البدع لا تجعله في عداد أولئك المبتدعة الزنادقة الذين قتلوا على الزندقة، فالبدع متفاوتة.
ثم قال المؤلف حفظه الله:
7 - أبوالحسن الأشعري (ت بعد سنة 320هـ): فقد دخل بغداد وعمل على التقرب من البربهاري (ت 329هـ)، وصنف كتاب الإبانة، فلم يلتفت إليه، فلم يجرؤ على الخروج من بيته في بغداد حتى خرج عنها. وفي مقابل ذلك كان للبربهاري من الأتباع والأصحاب والتلاميذ مايفوق الوصف. (فقه الرد/46).
أقول: فيما نقله المؤلف وماذكره نظر، بيانه فيما يلي:
1 - أما أن الأشعري لم يخرج من بيته في بغداد حتى خرج عنها فقد نفى صحة هذا ابن عساكر، فقال رادا على من زعم ذلك: وهو [يعني الأشعري] بعد إذ صار إليها لم يفارقها، ولا رحل عنها؛ فإن بها كانت منيته، وفيها قبره وتربته، ولا يدعي أنه لم يظهر بها إلا مثل هذا المختزي، وقد تقدم ذكر جلوسه في حلقة أبي إسحاق المروزي، وأنه كان يحضرها في أيام الجمع بالجانب الغربي في جامع المنصور، والجمع أكثر الأيام جمعا في أعظم الجوامع بها في حلقة ذلك الإمام المشهور. (تبيين كذب المفتري /391).
2 - وأما أن الأشعري ألف كتاب الإبانة تقربا إلى البربهاري، فهذا قاله بعضهم، وقد جانب فيه الصواب فتكذيب التائبين في توبتهم، واتهامهم في نياتهم بلا دليل قبيح ومحرم.
والغريب أن الدكتور السبت ناقض نفسه فنقل في ص 239 من كتابه هذا أن الإمام ابن تيمية رد على من يقول بأن الأشعري كان يبطن غير ما يظهر من اتباع السلف، ثم بين أن الدافع لأصحاب هذه التهمة أنهم خالفوه مع محبتهم له وانتسابهم إليه، فكرهوا أن ينسبوا إلى مخالفته. (مجموع الفتوى 12/ 204).
قال الحافظ ابن عساكر في رد هذه التهمة: فكم من متنقل من مذهب إلى غيره؛ لقوة النظر والاستدلال أو لإرشاد من الحق سبحانه وإلهام، أو رؤيا وُعِظ بها رائيها في منام، أو شدة بحث عن الحق على ممر الأيام وهذه المعاني كلها موجودة في حق هذا الإمام. وإنما يُشَك في توبة التائب إذا لم يوجد منه غير مجرد الدعوى، ولم يكن عند اختبار حاله من أهل الدين ولا من ذوي التقوى، فأما إذا اقترن منه بدعوى التوبة ظهور الأسف على ما أسلف من الحوبة، وكان المظهر للتوبة ذا ديانة موصوفا عند الخلق بصدق وأمانة لم يكن للشك في صحة توبته مجال، فمن قال غير هذا فقوله محال. ولا شك أن دين أبي الحسن رحمه الله متين وتبرأه من مذهب الاعتزال ظاهر مبين، ومناظراته لشيخهم الجبائي مشهورة، واستظهاراته عليه
¥