تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - استدل المؤلف بقلة عدد المصلين على ذم الحارث المحاسبي، وبكثرة عدد المصلين على مدح الإمام أحمد - وهو أحق به وأهله - لكن قلة عدد المصلين على الميت لا يستدل بها وحدها على ذم الميت، فقد تكون قلة عدد المصلين بسبب لا يرجع بالذم على الميت؛ فقد مات عدد من السلف الصالح، ولم يشهد جنازتهم إلا القليل لأسباب متنوعة منها الأسباب السياسية، كإبراهيم النخعي الإمام الحافظ لم يتبع جنازته سوى أقل من عشرة رجال، بل إن الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين لم يشهد جنازته إلا القليل كما هو معروف. بل إن الإمام البربهاري - الذي استدل المؤلف بموقفه ضد الأشعري على ذم الأشعري – توفي مستترا في دار في بغداد لأخت أحد قادة الجند، فأمرت خادمها فأحضر غاسلا يغسله، ووقف يصلي عليه وحده، ثم دفن في دارها. (انظر طبقات الحنابلة 2/ 45).

فقلة عدد المصلين على أولئك الأئمة ليس بقادح في مكانتهم، ولا بمنقص من فضلهم.

وكذلك كثرة عدد المصلين على الميت لا تدل وحدها على فضل الميت، وليس ذلك مختصا بجنائز أهل السنة، فجنائز بعض العلماء الذين وقعوا في بدع شهدها كثير من الناس، وليس ذلك بدليل على فضلهم المطلق، ولا على صحة ماوقعوا فيه من البدع والمخالفات. وقد تقدم ذكر جنازة أبي علي الثقفي - الذي ذكره المؤلف في الرواد الأوائل من أصحاب المقالات المنحرفة – وقول الحاكم: شهدت جنازته فلا أذكر أني رأيت بنيسابور مثل ذلك الجمع، وقول الذهبي: كان له جنازة لم يعهد مثلها. وتقدم أيضا قول الذهبي في ترجمة الباقلاني - الذي ذكره المؤلف في الرواد الأوائل من أصحاب المقالات المنحرفة -: وكانت له جنازة مشهودة. وقال الذهبي في ترجمة أبي عبدالرحمن السلمي الصوفي صاحب حقائق التفسير:

وكانت جنازته مشهودة. (سير أعلام النبلاء 17/ 252) وقد قال الذهبي في شأن كتابه: ليته لم يصنفه، فإنه تحريف وقرمطة، فدونك الكتاب فسترى العجب (تاريخ الإسلام 28/ 307)، ونقل عن الواحدي قوله: صنف أبو عبد الرحمن السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال: "إن ذاك تفسير للقرآن " لكفر به فقال الذهبي:: صدق والله. (تاريخ الإسلام 31/ 260). وأهل البدع الذين كانت جنائزهم مشهودة كثيرون، يعرف ذلك من راجع كتب التراجم.

2 - استدل المؤلف بكثرة الأتباع على فضل المتبوع كما فعل حين ذكر البربهاري في مقابل الأشعري فقال "وفي مقابل ذلك كان للبربهاري من الأتباع والأصحاب والتلاميذ مايفوق الوصف "، ولا شك أن البربهاري أحد أئمة أهل السنة والجماعة، وفضله لا يخفى، لكن كثرة الأتباع لا تدل وحدها على أن متبوعهم على الحق، فمن نظر في العالم الإسلامي اليوم وجد أن أتباع المذهب الأشعري في طوره القديم أكثر من أتباع المنهج السلفي، وليس هذا دليلا على صحة الأول وفساد الآخر.

قال ابن الجوزي: ثم تبع أقوام من السلاطين مذهبه [يعني الأشعري] فتعصبوا له وكثر أتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعي رضي الله عنه، ودانوا بقول الأشعري. (المنتظم 14/ 29).

وقد قال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} (الأنعام:117)، وقال في عدة آيات: {ولكن أكثر الناس لايعلمون} (الأعراف:187، يوسف:40، 68، النحل:38).

فالحق لا يتبع الكثرة؛ فإن الحق قد يكون خفيا فلا يستقل بدركه إلا الأقلون، والباطل قد يكون جليا فيبادر إلى الانقياد له الأكثرون، وصاحب الباطل قد تساعده دولته فيكثر بسببها أتباعه. (انظر فضائح الباطنية للغزالي /174)

قال ابن حزم: فإن موهوا بكثرة أتباع أبي حنيفة ومالك وبولاية أصحابهما القضاء؛ فقد قدمنا أن الكثرة لا حجة فيها، ويكفي من هذا قول الله عز وجل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، وقال: {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} (ص:24)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء" وأنذر عليه السلام بدروس العلم وظهور الجهل. (الإحكام 4/ 607)

3 - استدل المؤلف ببعض المحن التي أصابت المذكورين بسبب معاملة بعض أئمة أهل السنة إياهم عقوبة لهم على بدعتهم، فذكر المؤلف أن الحارث المحاسبي لما هجره الإمام أحمد اختفى في دار ببغداد ومات فيها، ولم يُصلِّ عليه إلا أربعة نفر فيما ذُكر، وذكر أن أبا علي الثقفي ألزم البيت ولم يخرج منه إلى أن مات، وأن أبا الحسن الأشعري دخل بغداد وعمل على التقرب من البربهاري، فلم يلتفت إليه، فلم يجرؤ على الخروج من بيته في بغداد حتى خرج عنها، وذكر أن أبا حامد الإسفراييني كان يشنع على الباقلاني، ويحذر الناس منه ومن الدخول عليه، ولم يكن يجرؤ أحد على الاتصال به، والدخول عليه إلا خفية، حتى إن الباقلاني كان يخرج إلى الحمام متبرقعا خوفا من الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وقد احتج المؤلف بما ذكره على ذم من جرى له ذلك، والحق أن هذا وحده ليس دليلا على ذم من جرى له؛ لأن مثل هذا حدث لبعض أئمة أهل السنة فلم يكن ذلك دليلا على ذمهم، فالمعتزلة سجنوا الإمام أحمد بن حنبل ثمانية وعشرين شهرا، كان يصلي فيها وهو مقيد، وضربوه، وقال له الواثق حين استخلف: لا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاختفى أحمد بقية حياة الواثق فمازال يتنقل في الأماكن، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر، فاختفى فيه لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها إلى أن هلك الواثق بعد سنوات (انظر مناقب الإمام أحمد/472، سير أعلام النبلاء 11/ 264). ولما تمكن المعتزلة من الخليفة الراضي أوغروا صدره على الإمام البربهاري حتى اضطر إلى الاختفاء، وظل مختفيا حتى توفي. (انظر سير أعلام النبلاء 15/ 92). وكاد المبتدعة للإمام ابن تيمية فسجن، ومات وهو مسجون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير