ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[28 - 08 - 08, 12:55 ص]ـ
النكتة الحادية والعشرون
قال المؤلف حفظه الله: وأما المحاجة فلم يرد استحسانها في شيء من المواضع في كتاب الله تعالى. (فقه الرد/63).
أقول: هذا الإطلاق فيه نظر، فإن كان مقصود المؤلف أن معنى المحاجة لم يرد استحسانه في القرآن فقد ناقض المؤلف نفسه بعد صفحات من هذا الموضع، تحت عنوان " ماورد من تقرير ذلك وفعله "، فقال المؤلف:
أولا: من القرآن الكريم. وذلك نوعان:
الأول: الردود القرآنية على دعاوى المبطلين، وهذا النوع كثير جدا في القرآن ...
الثاني: ماقصه الله – تعالى – من المحاجة والمجادلة بين أهل الإيمان من الرسل وأتباعهم والكفار، وذلك في مواضع كثيرة من كتاب الله – تعالى – كمحاجة إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه كما في سورة الأنعام، ومريم، والشعراء، والصافات، وكما في محاجته للنمروذ كما في سورة البقرة، وكذلك محاجته عبدة الكواكب كما في سورة الأنعام ..... وإيراد هذا كله في كتاب الله بمثابة التعليم من الله – تعالى – لخلقه للسؤال والجواب والمحاجة والمجادلة كما قال ابن عبدالبر رحمه الله. (فقه الرد 67 - 69).
أقول: وهل يعلمهم ربهم شيئا غير مستحسن؟!
وإن كان مقصود المؤلف من قوله بأن المحاجة لم يرد استحسانها في القرآن لفظ الكلمة واشتقاقاتها ففي هذا نظر أيضا، فقد قال تعالى ذاكرا نعمه على نبيه إبراهيم عليه السلام: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم. ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا} (الأنعام: 83 - 84)
قال القرطبي: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم} "تلك" إشارة إلى جميع احتجاجاته حتى خاصمهم وغلبهم بالحجة. (تفسير القرطبي 7/ 30).
وقال ابن عبدالبر: {نرفع درجات من نشاء} قالوا: بالعلم والحجة. (جامع بيان العلم 2/ 955).
وقال البغوي: قوله عز وجل: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} حتى خصمهم وغلبهم بالحجة (نرفع درجات من نشاء) بالعلم، أي نرفع درجات من نشاء بالعلم والفهم والفضيلة والعقل كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى وحاج في التوحيد. (تفسير البغوي 2/ 112).
وقال السمعاني: {نرفع درجات من نشاء} يعني: بالحجاج، والاستدلال. (تفسير السمعاني 2/ 122).
وقال تعالى: {هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران:66)
ذكرالجصاص أن هذه الآية أوضح دليل على صحة الاحتجاج للحق؛ لأنه لو كان الحجاج كله محظورا لما فرق بين المحاجة بالعلم وبينها إذا كانت بغير علم. (أحكام القرآن للجصاص 2/ 298).
وقال ابن عبدالبر: في قول الله عز وجل: {فلم تحاجون فيما ليس لكم به} دليل على أن الاحتجاج بالعلم مباح سائغ لمن تدبر. (جامع بيان العلم وفضله 2/ 971).
وقال ابن حزم: فلم يوجب تعالى المحاجة إلا بعلم، ومنع منها بغير علم. (الإحكام لابن حزم 1/ 25).
وقال ابن كثير: هذا إنكار على من يحاج فيما لا علم له به؛ فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم، ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لكان أولى منهم. (تفسير ابن كثير 1/ 373).
وقال ابن عثيمين: من فوائد الآية الكريمة إقرار الإنسان على المحاجة بالعلم، ولكن بشرط أن يكون قصده حسنا بحيث يريد من المجادلة الوصول إلى الحق، فيثبت الحق ويبطل الباطل. (تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين 1/ 384)
النكتة الثانية والعشرون
قال المؤلف حفظه الله تحت عنوان "ماورد من مجادلة أهل الأهواء والترخيص في ذلك أو الحث عليه ":
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: ما رأيت أحدا لاحى الرجال إلا أخذ بجوامع الكلم. وقال:
رأيت ملاحاة الرجال تلقيحا لألبابهم. قال يحيى بن مزين: يريد بالملاحاة هنا المخاوضة والمراجعة على وجه التعليم والتفهم والمذاكرة والمدارسة. (فقه الرد/66).
أقول: تفسير يحيى لكلمة عمر، الذي نقله المؤلف عقبها يجعل كلمة عمر خارجة عن عنوان المبحث الذي أراد المؤلف الاستدلال بها عليه، فهي لاعلاقة لها بمجادلة أهل الأهواء.
¥