تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر المؤلف تحت هذا العنوان أيضا ما لايدل عليه، فذكر المحاجة بين آدم وموسى عليهما السلام، وذكر ماوقع من عمر رضي الله عنه في صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه، وماوقع بين عمر وأبي عبيدة رضي الله عنهما في حديث الطاعون (انظر فقه الرد 69 - 71)، وكل هذا لاعلاقة له بموضوع الباب، وهو مجادلة أهل الباطل، وإنما هي أمثلة على مجادلة بين أهل الحق، ولا دلالة فيها على موضوع الباب.

النكتة الثالثة والعشرون

قال المؤلف حفظه الله تحت عنوان: " ماكان طريقه السمع فلا مجال للجدل والخوض فيه، بالرأي، والنظر والقياس ": ذلك أن الأمور الغيبية لا مجال للرأي فيها، وإنما تتلقى من الوحي خاصة، كما قال عبدالله بن ذكوان (ابن أبي الزناد): إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تلزم ويتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه، ولعمري إن السنن لتأتي كثيراً على خلاف الرأي "، ثم ذكر أمثلة لذلك يمكن مراجعتها.

وقد صرح بمقتضى ذلك جماعة من الأئمة كالحافظ ابن عبدالبر، والإمام محيي السنة أبي محمد البغوي، والحافظ ابن رجب، وهو من الأمور المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة؛ إذ لا تثبت قدم الإسلام إلا على قاعدة التسليم. هذا بالإضافة إلى ما يجره الجدل في هذه الأمور من الدخول في مضايق يصعب الخلاص منها، الأمر الذي يوقع صاحبه في ضلالات لا حصر لها، كما قال محمد بن الحنفية رحمه الله:"لا تنقضي الدنيا حتى تكون خصومات الناس في ربهم. ولذا فرق المحققون من أهل العلم بين المجادلة والمناظرة في هذه الأمور وغيرها من مسائل الفقه، كما أن السلف تجادلوا في الفقه، ونهوا عن الجدال في الاعتقاد؛ لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين، ألا ترى مناظرة بشر – المريسي - في قوله عزوجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} حين قال: هو بذاته في كل مكان، فقال له خصمه: هو في قلنسوتك، وفي حشك وفي جوف حمارك. (فقه الرد /75 - 76).

أقول: يحسن التنبيه هنا على أمور توضح ماذكره المؤلف حفظه الله، وهي:

1 - تعبير المؤلف في عنوان المبحث بقوله:"ماكان طريقه السمع " غير دقيق، فالسمع يشمل الدين كله كتابا وسنة، قال تعالى: {وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3 - 4).

قال ابن تيمية: السمعيات وهي الكتاب والسنة والإجماع وفروع ذلك. (مجموع الفتاوى 2/ 21).

وقال ابن القيم: الأدلة السمعية هي الكتاب والسنة والإجماع. (الصواعق المرسلة 3/ 834).

والمؤلف إنما يقصد بهذا المبحث المسائل التي لا تعلم إلا من الوحي، ولا مدخل للاجتهاد فيها، وذلك كسؤال الملكين في القبر، وعذاب القبر ونعيمه، والشفاعة، وغير ذلك من أمور الاعتقاد أو أمور العبادة مما يعلم بالشرع وحده. وقد ذكر ابن تيمية أن العلوم إما أن تعلم بالشرع فقط، وهو مايعلم بمجرد إخبار الشرع مما لايهتدي العقل إليه بحال، وإما أن تعلم بالعقل فقط كالطب والحساب والصناعات، وإما أن تعلم بهما (انظر مجموع الفتاوى 19/ 231).

والحفاظ الثلاثة الذين نقل المؤلف أنهم صرحوا بمقتضى ذلك لم يستعملوا التعبير الذي ذكره المؤلف في عنوان المبحث. أما ابن عبدالبر فقال: " ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه ". (جامع بيان العلم 2/ 943 طبعة الزهيري، وقد أحال المؤلف حفظه الله على 2/ 117 - 118، وليست هذه طبعة الزهيري التي اعتمدها المؤلف، وإنما طبعة أخرى اعتمد عليها صاحب كتاب منهج الجدل والمناظرة الذي نقل منه المؤلف هذه الإحالة دون أن يعدلها على الطبعة التي اعتمد عليها في كتابه).

وأما البغوي فقال: " واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه ". (شرح السنة 1/ 216).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير