فهذا الحديث وإن كان موقوفاً فهو دال على وجوب تبييت النية في الصيام، لأن هذا الأمر ثابت بالأدلة الصحيحة الصريحة كما قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}، ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امريء ما نوى» رواه البخاري.
وتعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول أبي حنيفة والشافعي، قال ابن قدامة: وعن أحمد انه يجزئه واحدة لجميع الشهر، وهو كقول مالك واسحاق، وهذا هو الصحيح لأن الصوم عبادة واحدة وهي صيام ثلاثين يوماً كالصلاة الرباعية تجزيء النية عن الصلاة كلها، لا تحتاج إلى تجديد النية في كل ركوع.
قال القحطاني في نونيته صـ37:
يجزيك في رمضان نية ليلة
إذ ليس مختلطا بعقد ثان
والنية محلها القلب لا يجهر بها، إذ لم يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل الإنسان دال على نيته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «كل من علم أن غدا رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه سواء تلفظ بالنية أو لم يتلفظ، وهذا فعل عامة المسلمين كلهم ينوي الصيام». مجموع الفتاوى (25/ 215).
6 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذا صائم، ثم أتانا يوما آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: أرنيه، فلقد أصبحت صائماً فأكل». رواه مسلم.
الحيس هو التمر مع الإقط والسمن، وفي الحديث بيان جواز ابتداء نية صوم النفل من النهار، وأنه لا يلزم فيه تبييت النية من الليل، وهذا توسعة من الشارع لتيسير أسباب الدخول في النفل، قال ابن القيم رحمه الله: «والذي جاءت به السنة من الفرق بين النفل والفرض، فلا يصح الفرض إلا بنية من الليل، والنفل يصح بنية من النهار لأنه يتسامح فيه مالا يتسامح في الفرض، كما يجوز أن يصلي النفل قاعدا وراكبا على دابته إلى القبلة وغيرها، وفي ذلك تكثير النفل، وتيسير الدخول فيه» إعلام الموقعين (2/ 302).
ولا يجوز لأحد أن يتعلل بعدم وجوب تبييت النية في صيام الفرض مستدلاً بأن عاشوراء فرض صيامه أول مرة في أثناء النهار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح صائماً فليتم صومه»، فهؤلاء الصحابة لم يتهيأ لهم تبييت النية، لأننا نقول إن التكليف تابع للعلم، والآن بعد استقرار الشريعة العلم بفرض الصوم الواجب مستقر للجميع، قال ابن القيم رحمه الله: «إن الواجب تابع للعلم، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار، وحينئذ فلم يكن التبييت ممكنا، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به، وإلا كان تكليفا بما لا يطاق وهو ممتنع.
قالوا: وعلى هذا إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب، وأصله صوم يوم عاشوراء». زاد المعاد (2/ 74).
7 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» رواه البخاري ومسلم.
فهذا الحديث دال على استحباب المبادرة بالافطار في وقته، ووقت الافطار هو الليل في قوله تعالى «ثم أتموا الصيام إلى الليل»، والمراد بالليل هو غروب الشمس، كما جاء مفسراً واضحا بينّا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية حيث قال عليه السلام: «إذا اقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد افطر الصائم». رواه البخاري.
وتأخير الافطار حرام لانه تنطع وتشبه باليهود والنصارى فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، لآن اليهود والنصارى يؤخرون». رواه ابو داود وصححه ابن خزيمة.
والحكمة في تعجيل الفطر حتى لا يزاد في النهار من الليل، وأما الأمد الذي يؤخر فيه اليهود والنصارى الفطر فهو ظهور النجم والعياذ بالله، فقد روى ابن حبان من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاتزال امتي على سنتي مالم تنتظر بفطرها النجوم».
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» متفق عليه.
فالسحور بركة وليس بواجب بالاجماع كما حكاه ابن المنذر والبركة الأجر والثواب، والقوة على الصيام والنشاط، كما في فتح الباري ««2/ 140».
ومن فوائد السحور:
1 - اتباع السنة
¥