وأما ما رواه ابو داود عن عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها فقد ضعفه أبو داود نفسه كما نقل عنه ابن قدامة في المغنى «3/ 43»، وقال ابن حجر الهيتمي في توجيهه: «لو صح فهو محمول على انه لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها» خصوصيات الصيام ص 131
وإذا حصل انزال المني بالمباشرة أو التقبيل بدون جماع فإنه يفسد صومه به ويجب عليه قضاؤه، قال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله في مفطرات الصوم: «انزال المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء، لأن هذا من الشهوة التي لايكون الصوم إلا باجتنابها، كما جاء في الحديث القدسي: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي». رواه البخاري مجالس رمضان ص 65.
وأما إذا باشر فأمذى ولم يمن فإنه لايفطر، قال الحافظ النووي رحمه الله: «لو قبل امرأة وتلذذ فأمذى ولم يمن لم يفطر عندنا بلاخلاف، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والشعبي والاوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور قال: وبه أقول، وقال مالك وأحمد يفطر، دليلنا انه خارج لايوجب الغسل فأشبه البول». شرح المهذب «6/ 323».
12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. رواه البخاري.
لابد اولاً من بيان انواع رواية حديث احتجام النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، ليتبن لنا وجوه استدلال الفقهاء بهذا الحديث في حكم الفطر بالحجامة، قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (3/ 249): «وقد روي هذا الحديث على اربعة اوجه: احدها: احتجم وهو محرم فقط وهذا في الصحيحين، الثاني: احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم» انفرد به البخاري، الثالث: «احتجم وهو محرم صائم» ذكره الترمذي وصححه النسائي وابن ماجة، الرابع: «احتجم وهو صائم» فقط، فقد ذكره ابو داود، وهو مختصر من حديث ان عباس رضي الله عنهما في البخاري «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.
13 - وعن شداد بن اوس رضي الله عنه: «ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى على رجل في البقيع وهو يحتجم- وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان- فقال: أفطر الحاجم والمحجوم»، رواه احمد وأبو داود وهذا لفظه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال: «هذا حديث ظاهرة صحته» وصححه ايضا احمد، واسحاق، ابن المديني، وعثمان الدارمي وغيرهم، وقال ابن خزيمة «ثبتت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال «أفطر الحاجم والمحجوم».
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: «أول ما كرهت الحجامة للصائم ان جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان!! ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان انس يحتجم وهو صائم». رواه الدارقطني، وقال: «كلهم ثقات ولا أعلم له علة»، وفي قوله نظر من غير وجه، والله أعلم.
هذه الاحاديث ساقها المصنف رحمه الله لبيان حكم الحجامة، فقد ذهب الحنابلة وتبعهم اسحاق بن راهوية إلى القول بالافطار من الحجامة، وأوجبوا عليه القضاء، وقال بقولهم أبن خزيمة وابن المنذر من الشافعية، وابن حبان، الحديث «أفطر الحاجم والمحجوم» وهو مروي من حديث جماعة من الصحابة منهم شداد بن أوس، وأبي هريرة، وعائشة، واسامة بن زيد، وعلي وأبي موسى، ومعقل بن سنان، ابن عباس، ورافع بن خديج رضي الله عنهم اجمعين.
وخالفهم الجمهور، وقالوا بعدم الفطر من الحجامة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، رواه البخاري، قال الشافعي وابن عبدالبر انه ناسخ لحديث شداد بن اوس رضي الله لأنه في الفاظه «عام الفتح» وهو في السنة الثامنة من الهجرة وإنما سمع ابن عباس رضي الله عنهما من النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وقد جاء التصريح بذلك في بعض طرقه، واجاب ابن القيم في تهذيب السنن «3/ 250» بأن ابن عباس رضي الله عنهما روى ذلك رواية مطلقة، ومن المعلوم أن أكثر روايات ابن عباس رضي الله عنهما إنما اخذها عن الصحابة والذي فيه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عشرين قصة كما قال غير واحد من الحفاظ، واما قولكم انه في بعض طرقه (عام الفتح) فقد قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 191): «فانا لم نرها صريحة في شيء من الأحاديث».
¥