وقالوا أيضاً إن حديث الفطرمنسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم، وأجيب بأن هذه اللفظة لا تصح كما قال أحمد في رواية مهنا كما في الفتح (4/ 177)، وكما في رواية الخلال كما في تهذيب السنن (3/ 249)، قال ابن المديني رحمه الله: ان الصواب «احتجم وهو صائم»، هذا وجه، والوجه الآخر ان هذه القصة لم تكن في رمضان قط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم في رمضان، فإن عُمُره كلها كانت في ذي القعدة، وفتح مكة كان في رمضان ولم يكن محرماً، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح من المدينة صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر والناس ينظرون إليه.
واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم رواه النسائي وصحح اسناده ابن حزم، وقال: إن الرخصة انما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة.
واجيب بأن خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مختلف في رفعه ووقفه، ورجح الترمذي في العلل الكبير (1/ 367) وقفه، وان الرخصة قد تأتي أحياناً بدون تقدم النهي والعزيمة كما في رخصة القبلة للصائم.
واستدلوا بحديث أنس رضي الله عنه قال: أول ما كُرهت الحجامة للصائم ان جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه احتجم وهو صائم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ في الحجامة للصائم .. رواه الدارقطني، واجيب بأنه لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ولا هو في المصنفات المشهورة كما قال ابن عبدالهادي في التنقيح (2/ 480) من نصب الراية، وبأن في اسناده خالد بن مخلد القطواني، قال فيه أحمد بن حنبل: له أحاديث مناكير، وفي اسناده ايضاً عبدالله بن المثنى الأنصاري، قال أبو داود عنه: لا أخرج حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، ثم لو سُلم صحة هذا الحديث لم يكن فيه حجة لان جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قُتل في غزوة مؤتة وهي قبل الفتح.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «في متنه ما ينكر لان فيه ان ذلك كان في الفتح، وجعفر قُتل قبل ذلك».
ومن خلال هذا العرض يتبين قوة الخلاف في القول بالفطر بالحجامة، ولذلك أحب اليك ان استظهر بمذاهب الصحابة في هذه المسألة، وان كان الاحتياط يوجب ان نبتعد عن الحجامة حال الصيام طلبا لحفظ الصيام.
واما بالنسبة للصحابة فقد ثبت عن جمع منهم الحجامة وهم صائمون، فقد روي عبدالرزاق باسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يحتجم وهو صائم في رمضان ثم تركه لأجل الضعف.
وذكر البخاري تعليقا مجزوما به عن أم علقمة قالت: كنا نحتجم عند عائشة ونحن صيام فلا ننهي.
وروي البخاري في صحيحه عن ثابت قال: سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف.
لذلك قال الإمام الشافعي في «اختلاف الحديث» ص197 مبيناً مذهب الصحابة في الفطر بالحجامة: «والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم انه لا يفطر أحد بالحجامة».
وقد تكلم العلماء في حكم خروج الدم بغير حجامة فقال شيخنا العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله: «وفي معنى اخراج الدم بالحجامة اخراجه بالقصد ونحوه مما يؤثر على البدن كتأثير الحجامة، واما خروج الدم بالرعاف أو السعال أو الباسور أو قلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم أو غرز الابرة ونحوها فلا يفطر لانه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة». مجالس رمضان ص67
يتبع
ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[31 - 08 - 08, 02:49 ص]ـ
17 ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليُتَّم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه واللفظ لمسلم.
هذا الحديث فيه بيان صحة صوم من تناول شيئاً من المفطرات نسيانا، وهذا من رحمة الله بخلقه، وهذا قول جمهور العلماء، اما الإمام مالك رحمه الله فإنه قال: عليه القضاء، وقيل للإمام أحمد رحمه الله إن مالك يقول: عليه القضاء!
فضحك الإمام أحمد، وقال: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أحسن. التمهيد لابن عبدالبر (7/ 179).
¥