تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وألحق العلماء بمن غلبه القيء ما غلب الصائم مما لم يمكنه التحرز منه، قال ابن قدامة رحمه الله: «وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق لا يفطره لان اتقاء ذلك يشق فاشبه غبار الطريق وغربلة الدقيق، فإن جمعه ثم ابتلعه قصدا لم يفطره لانه يصل إلى جوفه من معدته اشبه اذا لم يجمعه، وفيه وجه آخر انه يفطره لانه امكنه التحرز منه اشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق، والأول أصح، فإن الريق لا يفطر اذا لم يجمعه وان قصد ابتلاعه فكذلك اذا جمعه، بخلاف غبار الطريق». المغني (3/ 39).

19 ــ وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس اليه، ثم شرب فقيل له بعد ذلك: ان بعض الناس قد شق عليهم الصيام وانما ينظرون فيما فعلت؟ فدعا بقدح من ماء بعد العصر، وشرب والناس ينظرون اليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه ان ناسا صاموا، فقال: اولئك العصاة» رواه مسلم.

20 ــ وروى مسلم عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه انه قال: «يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليَّ جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب ان يصوم فلا جناح عليه».

هذان الحديثان في بيان حكم الصوم للمسافر، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولم تتنازع الأمة في جواز الفطر للمسافر، بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر، وقال: ومن قال إن الفطر لا يجوز الا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب فإن تاب والا قُتل» مجموع الفتاوي (25/ 210).

والصوم في السفر اختلف فيه العلماء، فذهب ابن عمر رضي الله عنهما والظاهرية إلى انه لا يجزيء الصيام في السفر عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى «فعدة من أيام أُخر»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصيام في السفر» رواه البخاري ومسلم، ومقابل البر الاثم، واذا كان اثما بصومه لم يجزئه، وهذا قول بعض أهل الظاهر، واحتجوا بقوله تعالى «فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر»، قالوا: ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة، وتأوله الجمهور بان التقدير: فأفطر فعدة كما في فتح الباري «4/ 183»، وذهبت طائفة من العلماء إلى ان الفطر أو الصوم في السفر سواء لا يُرجح أحدهما على الآخر لما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، يرون ان من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون ان من وجد ضعفا فأفطر فان ذلك حسن.

وذهبت طائفة إلى ان أفضل الأمرين أيسرهما للمكلف لقوله تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وهو قول عمر بن عبدالعزيز، واختاره ابن المنذر رحمهما الله. وذهب اكثر العلماء ومنهم الإمام الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحم الله الجميع إلى ان الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه، لانه أسرع في ابراء ذمته وانشط له اذا صام مع الناس، وقال الاوزاعي وأحمد واسحاق رحمهم الله الفطر أفضل عملا بالرخصة.

والصوم في السفر لمن يشق عليه معصية بنص النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال في شأن بعض أصحابه الذين شق عليهم الصوم في السفر «أولئك هم العصاة»، وقال في شأن من شق عليه الصوم وُظل عليه لسقوطه من ضعف الصيام في السفر «ليس من البر الصيام في السفر»، وقد روى أحمد في مسنده وصححه ابن خزيمة عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته».

وروى أحمد من طريق أبي طعمة قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إني أقوى على الصوم في السفر، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة»، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هذا محمول على من رغب عن الرخصة لقوله صلى الله عليه وسلم «من رغب عن سنتي فليس مني».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير