ومن فروع فقه صوم المسافر وهو إذا أصبح المقيم على نية سفر، هل يجوز له أن يفطر في بيته؟ قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد «25/ 49»: «واتفق الفقهاء في المسافر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض في سفره».
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «يفطر إذا برز عن البيوت».
وكذلك تكلم العلماء في الحائض تطهر في أثناء النهار، والمسافر يرجع إلى بلده في أثناء النهار هل يجب عليهما الإمساك بقية النهار؟
قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد «25/ 53»: «واختلفوا في المسافر يكون مفطرا في سفره ويدخل الحضر في بقية من يومه ذلك، فقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول ابن علية وداود في المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطروا في السفر أنهما يأكلان ولا يمسكان، قال مالك والشافعي، ولو قدم مسافر في هذه الحال فوجد امرأته قد طهرت جاز له وطؤها، قال الشافعي: أحب لهما أن يستترا بالأكل والجماع خوف التهمة».
21 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه»، رواه الدارقطني وقال: «هذا إسناد صحيح»، والحاكم وقال: «صحيح على شرط البخاري».
هكذا اختار الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله أثر ابن عباس رضي الله عنهما عند الدارقطني، وهذا الأثر بمعناه رواه البخاري مسندا عن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين»، قال ابن عباس رضي الله عنهما ليست منسوخة هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينا.
وذكر البخاري تعليقاً مجزوما به أن أنس بن مالك رضي الله عنه أطعم بعدما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر، وقد رواه مسندا عبدالرزاق وابن خزيمة بأسانيد صحيحة كما في تغليق التعليق «4/ 177».
وروى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه: «من أدركه الكبر فلم يستطع صيام شهر رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح».
فهذه فتاوى الصحابة رضي الله عنهم في أن الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يطعم ولا قضاء عليه، وإلى هذا ذهب الشافعي وأصحاب الرأي.
وألحقوا بذلك المريض الذي لا يرجى برؤه، وأما من يرجى برؤه فإنه يجب عليه الانتظار لحين الشفاء ثم القضاء بعد ذلك.
22 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هلكت يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، فقال: على أفقر منا؟! فما بين البيوت أهل بيت أفقر إليه منا! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أذهب فأطعمه أهلك»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
هذا الحديث في كفارة من أبطل صومه بالجماع في نهار رمضان متعمدا وهو مقيم غير مسافر، وقوله «هلكت» استدل به على أنه كان عامدا، لأن الهلاك لا يكون إلا عن عمد.
وهذا الحديث استدل به على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا لا يعزر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية، وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود، وأشار إلى هذه القصة، ووجهه أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة، والتعزير إنما جعل للاستصلاح، ولا استصلاح مع الصلاح، وأيضاً لو عوقب المستفتي لكان سببا لترك الاستفتاء، وهي مفسدة فاقتضى ذلك ألا يعاقب.
تكلم العلماء في فقه هذا الحديث فيمن جامع زوجه في نهار رمضان، هل تجب الكفارة على الزوجة كالزوج أو أن الحكم خاص بالزوج فقط؟ فبعض العلماء رأى أن الكفارة على الزوج وحده لأنه في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: «هل تستطيع»، «وهل تجد»، فكأن الكفارة عليه وحده دون زوجه.
وقيل المرأة تجب عليها الكفارة كالرجل لعدة مرجحات:
أولا: أنها هتكت حرمة الشهر بالجماع.
ثانيا: أنها طاوعت زوجها في الجماع، فكل منهما فاعل ومشارك.
ثالثا: لا يصح الاستدلال بعدم ذكر الكفارة في حق الزوجة، لأنه كذلك لم يذكر الأمر بالاغتسال من الجماع، وهو واجب في حقها كالزوج تماما.
¥