رابعا: ان بيان الحكم للرجل بيان في حقها، فالتنصيص على الحكم في بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين.
وهذه الوجوه تغني عن الاستدلال برواية «وأهلكت»، فقد ضعفها الخطابي والبيهقي وعياض وابن حجر وغيرهم رحم الله الجميع، انظر فتح الباري «4/ 170».
وأما بالنسبة لكفارة الجماع في نهار رمضان فهي مغلظة كما ترى لم ترد في شيء آخر من مفطرات الصوم، عتق رقبة فإن لم يجد فصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فالخصال الثلاث على الترتيب المذكور، قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله: «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه، وليس هذا شأن التخيير» ..
ومما يتعلق بأحكام الكفارة فيمن وجب عليه إطعام ستين مسكينا بعد عدم الرقبة والعجز عن الصيام يجب أن يكون الإطعام لستين مسكينا، لا يصح إطعام ستة مساكين عشر مرات، قال الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله: «أضاف الإطعام إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام».
كذلك تكلم العلماء في قضاء اليوم الذي أفسده الزوجان بالجماع هل يقضيان يوما مكانه؟ فمذاهب أهل العلم في هذا ثلاثة: الأول: أنه يجب عليه القضاء، لأنه جاء في زيادة في أحد ألفاظ الحديث «وصم يوما مكانه» رواه أبو داود ولعموم قوله تعالى «فعدة من أيام أخر».
الثاني: لا قضاء عليه، لأنه لم يأمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما زيادة «وصم يوما مكانه»، فهي ضعيفة، ضعفها ابن عدي وأبو يعلى الخليلي والعلائي، وعبدالحق الاشبيلي، وكذلك ابن القيم في تهذيب السنن «3/ 273».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما أمره للمجامع بالقضاء فضعيف، ضعفه غير واحد من الحفاظ، وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما، ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم، وهو حكم شرعي يجب بيانه، ولما لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولا، وهذا يدل على أنه كان متعمدا للفطر ولم يكن ناسيا ولا جاهلا»، مجموع الفتاوى «25/ 225»، وهؤلاء يرون أن الخلل الحاصل قد انجبر بالكفارة.
الثالث: ان المجامع في نهار رمضان ان كفر بالصوم دخل فيه القضاء، وإلا فلا لاختلاف الجنس، وهذا اختيار الأوزاعي رحمه الله.
وكذلك تكلم العلماء في حق المجامع إذا كان فقيرا ولم يستطع الصيام هل تبقى في ذمته أو تسقط عنه؟
قال الأثرم للإمام أحمد: «أطعمه عيالك» أتقول به؟ قال: نعم إذا كان محتاجاً، ولأنه حق مالي يجب لله على وجه الطهرة للصائم فلم يجب كالعاجز عن صدقة الفطر، وفي رواية أخرى عن أحمد تبقى في ذمته.
وفي روايه إبراهيم بن الحارث قال الإمام أحمد: يأكلها إذا أطعم عنه غيره، ويمتنع في غير كفارة الوطء في الصيام ان يأكل منها، وروى عنه أبو الحارث: ان كل الكفارات لا بأس بأكلها إذا كُفرت عنه.
والكفارة المغلظة إنما هي في حق من جامع أهله في نهار رمضان دون ما سواه، فلو جامع في القضاء أو النذر أو الكفارة لم تجب عليه الكفارة المغلظة، نص عليه الإمام أحمد، وهذا قول سائر الأئمة كذلك، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: «وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده، وأجمعوا أن المفطر في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده، وأجمعوا أن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه وإنما عليه ذلك اليوم الذي كان عليه من رمضان لا غيره، إلا ابن وهب فإنه جعل عليه يومين قياسا على الحج» التمهيد «7/ 181».
23 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، متفق عليه.
قوله عليه السلام «صام عنه وليه»، خبر بمعنى الأمر، تقديره: فليصم عنه وليه، وليس الأمر للوجوب عند الجمهور، لأن العبد غير مكلف بأفعال الغير، وأوجبه بعض أهل الظاهر، واختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم أي نوع من الصوم يجري فيه القضاء على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يُقضى عنه في النذر وفي الواجب الأصلي، وهذا قول أبي ثور.
الثاني: أنه لا يُقضى عنه بحال لا في النذر ولا في الواجب الأصلي وهو مذهب الشافعي في الجديد ومالك وأبي حنيفة، واستدل الإمام مالك رحمه الله بعمل أهل المدينة، إذ قال في الموطأ «1/ 323 – رواية أبي مصعب الزهري»:
¥