وأما صوم عرفة بالنسبة للحاج فإنه لا يستحب لان النبي صلى الله عليه وسلم أفطر والناس ينظرون اليه ليتأسوا به كما في الصحيحين، وهذا يغني عن حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بعرفة». رواه احمد وأبوداود وضعفه العقيلي. وعلل العلماء استحباب الفطر للحاج في عرفة لأن الصوم يضعفه عن الدعاء والذكر الذي هو من آكد وظائف الوقوف بعرفة، ولأن هذا اليوم عيد لمن في ذلك المكان شرح العمدة «2/ 568».
وأما بالنسبة لغير الحاج فإنه يستحب له صيام يوم عرفة، يكفر سنتين الماضية والباقية، وهذا لان الاصل في العبادات ان يخاطب بها عموم المكلفين، ولما كان الحج عبادة مكانية تكفر الذنوب ويرجع الحاج كيوم ولدته أمه اذا كان حجه مبرورا، جعل الله لمن لم يحج عوضا وبدلا صوم يوم عرفة ونحر الأضاحي يوم العيد، والتكبير أيام التشريق، ولله الحمد والمنة.
وقد تكلم العلماء في وجه لون صيام عرفة انه اعظم اجرا من صوم يوم عاشوراء، قال ابن القيم رحمه الله: «إن قيل لم كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل فيه وجهان: أحدهما أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء الثاني: أن صوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم». بدائع الفوائد «4/ 211».
وأما صيام يوم الاثنين فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبب ذلك، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت- أو انزل علي- فيه»، وهذا مبلغ حفاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم ولادته صومه فقط، ولم يحتفل احد من صحابته بيوم ميلاده، اذ لو كان خيرا ومن الشرع لكانوا أسبق اليه، فعلم بذلك ان الاحتفال به بدعة.
قال الشباطبي رحمه الله: «السلف الصالح كانوا أحق بالسبق الى فضله، لجميع ما ذكر فيه من الفوائد، ولذلك قال مالك بن أنس فيها: «أترى الناس اليوم كانوا أرغب في الخير ممن مضى؟»، وهو اشارة الى الأصل المذكور، وهو ان المعنى المقتضي للاحداث- وهو الرغبة في الخير- كان أتم في السلف الصالح، وهم لم يفعلوه، فدل انه لايفعل». الاعتصام «2/ 276».
ومن الأسباب التي يستحب لأجلها صوم الاثنين هو انه يوم تعرض فيه الأعمال، كما جاء في مسند احمد ورواه أبوداود والنسائي.
28 - وعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها: «أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت أم الفضل بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه». متفق عليه واللفظ لمسلم
فهذا الحديث دال على ان السنة للحاج الفطر يوم عرفة ليكون انشط له في الدعاء والذكر قال ابن القيم رحمه الله: «فالصواب ان الأفضل لأهل الآفاق صومه ولأهل عرفة فطره». تهذيب السنن «3/ 322».
29 - عن ابي أيوب الانصاري رضي الله عنه ان رسول صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر». رواه مسلم.
هذا الحديث فيه دليل على استحباب صيام ست من شوال، وهو كالراتبة البعدية كما ان صيام شعبان راتبة قبلية.
أما وجه كون صيام رمضان وست من شوال كصيام الدهر هو كما قال المازري رحمه الله: «ان الحسنة لما كانت بعشر أمثالها كان مبلغ ماله في الحسنات في صوم الشهر والستة أيام ثلاثمائة وستين حسنة عدد أيام السنة، فكأنه صام سنة كاملة يكتب له في كل يوم منها حسنة». المعلم بفوائد مسلم «2/ 43».
وقد شغب البعض بهذه الطاعة العظيمة واخذ ينهى الناس عنها ويشكك فيها وهذا خطأ في الفتيا، ولو جعلوا هذا اختيارا خاصا لهم دون ان ينشروه في العامة لكان يحتمل ذلك منهم، ولا محذور في صوم شوال اطلاقا الا أول يوم منه وهو يوم العيد اجماعا، لئلا يدخل في رمضان ماليس منه، ففطر يوم العيد وحده كاف في التمييز بين رمضان وشوال، أما ان ينهى عن صيام شوال فهذا خطأ قطعا.
¥