قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وكان احمد ينكر على من يكرهها كراهة ان يلحق برمضان ماليس منه، لان السنة وردت بفضلها والحض عليها، ولان الإلحاق انما خيف في أول الشهر، لانه ليس بين رمضان وغيره فصل، وأما في آخره، فقد فصل بينه وبين غيره بيوم العيد، وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد وحده دليلا على ان النهي مختص به، وان ما بعده وقت إذن وجواز، ولوشاء لنهى عن اكثر من يوم، كما قال في أول الشهر: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولايومين».
وسواء صامها عقيب الفطر أو فصل بينهما، وسواء تابعها أو فرقها، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأتبعه بست من شوال» وفي رواية: «ستا من شوال»، فجعل شوال كله محلا لصومها، ولم يخصص بعضه من بعض». شرح العمدة «2/ 559 - 560».
ومن كان عليه قضاء من رمضان فليقضه أولا ثم يصوم ستا من شوال اذا أراد ان يدرك الفضل المذكور في ذلك، لان من كان عليه قضاء من رمضان لا يصدق عليه انه صام رمضان.
وأما سائر أنواع صوم النفل فيجوز فعلها وان كان في ذمته قضاء من رمضان، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «العبادات المحضة فإن كانت موسعة جاز التنفل قبل أدائها كالصلاة بالاتفاق، وقبل قضائها أيضا كقضاء رمضان على الأصح، وان كانت مضيقة لم تصح على الصحيح».
تقرير القواعد وتحرير الفوائد «1/ 66».
3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا» متفق عليه، ولفظه لمسلم.
وهذا الفضل العظيم يبدو والله أعلم لمن كان صائما وهو مجاهد في سبيل الله، يدل عليه قوله عليه السلام في الحديث: «في سبيل الله»، وهذا يدل عليه ان الثواب العظيم انما يكون للعمل العظيم، والأصل انه اذا اطلق «في سبيل الله» فإنما يراد به الجهاد، وبعض أهل العلم جعله عاما في أي يوم كان، قال ابن الملقن رحمه الله: «سبيل الله» الأكثر في الشرع والعرف استعماله في الجهاد، فاذا حمل عليه كانت الفضيلة فيه لاجتماع العبادتين أعني فضيلة الصوم والجهاد، ويحتمل ان يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، ويعبر بذلك عن صحة القصد والنية فيه، وبه جزم القرطبي». الإعلام بفوائد عمدة الأحكام «5/ 387».
31 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا في رمضان، وما رأيته في شهر اكثر منه صياما في شعبان». متفق عليه، واللفظ لمسلم.
هذا الحديث فيه بيان صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يسرد الصوم ثم يسرد الفطر حتى يجم نفسه ويرجع له نشاطه وتبقى لأعضائه قوتها، كما انه بهذه الصفة يكون أدرك فضل صيام داود عليه السلام وربما اكثر.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم افضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولم يصم كذلك، بل كان يصوم سرداً، ويفطر سردا، ويصوم شعبان، وكل اثنين وخميس!! قيل صيام داود الذي فضله النبي صلى الله عليه وسلم الصيام قد فسره النبي صلي الله عليه وسلم في حديث اخر بأنه صوم شطر الدهر، وكان صيام النبي صلى الله عليه وسلم إذا جمع يبلغ صيام نصف الدهر، او يزيد عليه. وقد كان يصوم مع ما سبق ذكره يوم عاشوراء وتسع ذي الحجة». لطائف المعارف ص 136.
وأما صيام شعبان فإنه كان يصوم أكثره ولم يكن يصومه كله حتى لا يشبهه برمضان، وأما رواية «فإنه كان يصوم شعبان كله» وفي رواية عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها «كان يصوم شعبان إلا قليلا» فهذه الرواية تفسر معنى «الكل»، قال الترمذي: قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: جائز في كلام العرب اذا صام اكثر الشهر ان يقول: صام الشهر كله.
32 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة ان تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» متفق عليه.
قيل ان هذا النهي للكراهة، ورجح الحافظ النووي رحمه الله في شرح المهذب انه للتحريم، لأن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع، ولا واجب على التراخي».
¥