وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال احمد وابن معين: انه منكر» فتح الباري «4/ 129». فتحصل لدينا من مجموع ما ذكر اربعة من الأئمة المتقدمين حكموا بنكارته، وهم: احمد، ابن معين، عبدالرحمن بن مهدي، وابو زرعة الرازي رحم الله الجميع.
وبعض اهل العلم كابن خزيمة وابن القيم رحمهما الله صححوا الحديث ودفعوا القول بمخالفة العلاء للاحاديث الصحيحة، وقالوا ان النهي عن حديث العلاء انما هو في حق من ابتدأ صوم شعبان في النصف الثاني فقط، كما في تهذيب السنن «3/ 224».
وهذا الجواب لا شك انه يدفع معارضة حديث صوم النبي صلى الله عليه وسلم اكثر شعبان، لكنه لا يزيل التعارض مع ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين». فإن مفهومه انه يجوز: تقدم رمضان بصوم ثلاثة ايام واربعة، وهكذا، وهذا كله من النصف الثاني من شعبان.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله مستدركا على من صححه: «وتكلم فيه من هو أكبُر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبدالرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة الرازي، والاثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه، ورده بحديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين، وقال الاثرم: الاحاديث كلها تخالفه».
لطائف المعارف ص142
39 - عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاتصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد احدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه». رواه أحمد وابو داود.
هذا الحديث روي من طرق مختلفة، فقد رواه عبدالله بن بسر عن أخته الصماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عبدالله بن بُسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عبدالله بن بُسر عن أبيه بُسر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروته الصماء عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما روي الحديث بهذه الاوجه الثلاثة المختلفة، اختلف تبعا لذلك حكم العلماء على الحديث، فصاروا ثلاثة اصناف:
الاول: من حكم باضطراب الحديث لهذا الاختلاف كالنسائي وابن حجر رحمهما الله.
الثاني: من حكم بالترجيح لاحد الطرق وجعله هو المحفوظ دون سائر الطرق، وهذا مسلك الدار قطني حيث قال بعد روايته للحديث في سننه «ان الصحيح عن عبدالله بن بسر عن اخته الصماء» بواسطة البدر المنير 5/ 763.
الثالث: من نفى الاضطراب عن الحديث، ورأى ان الحديث كيف تصرف من هذه الوجوه الثلاث فانه صحيح لأنه من رواية صحابي، ومثل هذا الخلاف لايضر قال ابن الملقن رحمه الله: «فهو اضطراب غير قادح، فان عبدالله بن بسر صحابي، وكذا والده، والصماء ممن ذكرهم في الصحابة ابن حبان في اوائل «الثقات» فتارة سمعه من ابيه، وتارة من أخته، وتارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة سمعته اخته من عائشة وسمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم». البدر المنير 5/ 762.
وهذا الحديث ضعفه جماعة من كبار الائمة المتقدمين والمتأخرين بنكارة متنه لذلك قال مالك: هو كذب، انظر سنن ابي داود ص351 رقم 454 وقال الامام احمد بن حنبل رحمه الله: كان يحيي بن سعيد يتقيه، وأبى ان يحدثني به» اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 73.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله معلقا: «فهذا تضعيف للحديث».
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 75.
وقال الاوزاعي رحمه الله: «مازلت بهذا الحديث كاتما، ثم رأيته انتشر».
البدر المنير 5/ 760.
وقال الاثرم عن الإمام احمد بن حنبل رحمه الله «ان الاحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بسر».
اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 73.
ومأخذ العلماء في نكارة المتن من وجهين.
الاول: ان يوم السبت يوم عيد عند اليهود، والعيد لا يصام، فالقول بمقتضى هذا الحديث فيه موافقة لليهود.
قال المهلب مبينا علة النهي عن صوم يوم الجمعة: «خشي ان يلتزم بالناس من تعظيم يوم الجمعة ما إلتزمه اليهود والنصارى في يوم السبت والاحد من ترك العمل والتعظيم، فأمر بإفطاره، ورأى ان قطع الذرائع اعظم اجرا من إتمام مانوى صومه لله».
شرح صحيح البخاري لابن بطال 4/ 131.
¥