وهذا الجواب لا يصلح سببا لتعليل النهي عن صوم السبت لان اليهود لا يعظمون السبت بصومه فهم يعظمونه بالاكل والشرب وترك العمل، والمسلمون لو صاموا السبت فإنه لا يقطعهم عن العمل، والسابقون الاولون كانوا يجاهدون وهم صائمون صيام الفرض ولم يقطعهم ذلك عن العمل كما في غزوة بدر وفتح مكة.
قال ابن الملقن رحمه الله متحدثا عن النبي عن صوم الجمعة «خشية ان تعظم بالصوم كما عظمت اليهود والنصارى السبت والاحد من ترك العمل، وهو باطل، فان تعظيم يوم الجمعة ثابت مبين في الكتاب والسنة بأمور كثيرة، ويلزم من تعظيمه بالصوم لو كان مشروعا التشبه بالسبتية والاحدية، فانهم لايعظمونه بذلك، ولو عظموه بذلك لم يكن نهيه عن صومه ملزوما للتشبه بهم ولا لازما، بل لأمر اطلع عليه الشارع، كيف وهم يعظمون سبتهم وأحدهم بالأكل والشرب وقد روى النسائي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث ام سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان اكثر ما يصوم من الايام يوم السبت والاحد، وكان يقول: انهما يوما عيد للمشركين فاحببت ان اخالفهم»، ومعلوم ان يوم العيد يوم اكل وشرب عند من يعتقده عيدا، ويترك العمل والسعي في مصالحهم وقد كانوا أمروا بيوم الجمعة كما أمرنا به فخالفوا وبدلوا، فجعل عليهم غضبا وتغليظا، وتعظيم يوم الجمعة معروف عندهم، كلهم غيروا وبدلوا، والذي يقع التشبه بهم فيه ترك العمل».
الاعلام بفوائد عمدة الاحكام 5/ 368 - 369.
الاشكال الثاني نكارته من جهة المتن ايضا حيث ان هذا الحديث جاء بتحريم صوم السبت مطلقا سواء مضموما لغيره، او منفردا، فهذه نكارة شديدة مخالفة لما في الصحيحين حيث امر النبي صلى الله عليه وسلم من اراد صيام الجمعة بان يصومه مع ما بعده وهو يوم السبت.
قال الاثرم: وحجة ابي عبدالله- يعني الامام احمد- في الرخصة في صوم يوم السبت: ان الاحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بسر.
اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 73.
وقال شيخ الاسلام مؤيدا انتقاد الامام احمد للحديث «واحتج الأثرم بمادل من النصوص المتواترة، على صوم يوم السبت، ولا يقال: يحمل النهي على افراده، لان لفظة” لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم، والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي ان الحديث عم صومه على كل وجه، والا لو اريد افراده لما دخل الصوم المفروض ليستثني فانه لا افراد فيه، فاستثناؤه دليل على دخول غيره، بخلاف يوم الجمعة، فانه بين انه انما نهي عن افراده».
اقتضاء الصراط المستقيم
فتحصل بما سبق نكارة متنه لذلك ضفعه يحيى بن سعيد القطان، ومالك، واحمد بن حنبل، والاوزاعي، والنسائي، والحافظ ابن حجر، والله أعلم.
5 - باب الاعتكاف
40 - عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعكتف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، متفق عليه.
الاعتكاف لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، قال تعالى «وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا»، وشرعا: لزوم المسجد لطاعة الله.
والاعتكاف يشترط له المسجد لقوله تعالى «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد»، وقد حكى الإجماع على ذلك القرطبي وابن قدامه.
والاعتكاف سنة لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: «من أحب أن يعتكف فليعتكف»، قال ابن المنذر رحمه الله: «أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا فيجب».
وفي قول عائشة رضي الله عنها «حتى توفاه الله»، فيه إشارة إلى أنه محكم غير منسوخ، وأما اشتراط الصوم للاعتكاف فقد ذهب إليه جماعة من العلماء كمالك والأوزاعي والحنفية، وحجتهم:
1 - قول عائشة رضي الله عنها «السنة للمعتكف أن يصوم»، وأجيب بأن هذا مدرج من كلام الزهري، فتيا الصحابة كابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم حيث قالوا: «لا اعتكاف إلا بصوم»، رواه سعيد بن منصور وعبدالرزاق وصححه ابن حجر رحمه الله.
3 - الاعتكاف لبث في مكان مخصوص فلم يكن قربة حتى ينضم إليه قربة أخرى، كالوقوف بعرفة لا يكون قربة حتى ينضم إليه الإحرام.
4 - المعتكف ممنوع مما يمنع منه الصائم من القبلة ونحوها، فلأن يمنع مما منع منه الصائم كالأكل والشرب أولى.
5 - ان الله ذكر الاعتكاف أثر الصوم فقال «ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد».
¥