6 - ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا في رمضان، وأما اعتكافه عشرا من شوال فقد كان قضاءً لإعتكافه الذي نقضه في رمضان.
وأجيب عن هذه الحجج بأن ذكر الاعتكاف اثر الصوم لا يدل على تلازمهما، وإلا لكان لا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به، وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم وهو صائم فهذا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى أفضل الأحوال في إعتكافه، والاعتكاف في المسجد عبادة بنفسه كالطواف والركوع والسجود كما قال تعالى «وطهر بيتي للطائفين والعاكفين» «البقرة:125».
وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، والليل ليس محلا للصوم.
وأما فتيا الصحابة فنقول إن الصحابة لم يجمعوا على ذلك، وابن عباس رضي الله عنهما نفسه لم يشترط ذلك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» رواه البيهقي بسند صحيح.
قال شيخ الإسلام اين تيمية رحمه الله في حكم اشتراط الصوم للاعتكاف: «ليس في اشتراط الصوم كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، والحكم إنما يثبت بواحدة من هذه الجهات» شرح العمدة «2/ 761».
وأما استحباب الصوم للاعتكاف فلا ريب في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد أجمع الناس على استحباب الصوم للمعتكف، لأن الصوم أعون له على كف النفس عن الفضول، فإنه مفتاح العبادة».
41 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه»، متفق عليه، واللفظ لمسلم هذا الحديث فيه بيان متى يدخل المعتكف المسجد، وظاهر الحديث أنه يدخله فجرا، وهذا لا قائل به، لأن من أراد اعتكاف العشر كلها، فإنه يدخل قبل غروب الشمس يدرك اليوم كله، لأن ما بعد غروب الشمس داخل في مسمى اليوم الذي بعده، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في حديث عائشة: «فلا أعلم من فقهاء الأمصار من قال به إلا الأوزاعي، وذكر الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه؟ فقال: يدخله قبل غروب الشمس، فيكون يبتدئ ليلته» التمهيد «11/ 196»، ثم علل الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله القول بالدخول قبل غروب الشمس بقوله: «لأن الليالي تبع للأيام»، التمهيد «11/ 198».
فعلى هذا يكون دخول المسجد قبل غروب الشمس، ويوجه حديث عائشة رضي الله عنه أن دخوله فجرا إنما هو لمكان اعتكافه الخاص داخل المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في موضع بعينه من المسجد» شرح العمدة «2/ 722».
وعليه ينبغي للمعتكف معرفة حدود المسجد حتى يكون معتكفا داخل المسجد، قال الإمام أحمد رحمه الله «حد المسجد هو الذي جعل عليه حائط وباب»، شرح العمدة «2/ 723».
43 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لايدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا» رواه البخاري.
ففي اخراج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه دلالة على اشتراط المسجد للاعتكاف، وهو مقتضى قوله تعالى «ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد».
وفي ترجيل عائشة رضي الله عنها لشعر النبي صلى الله عليه وسلم يعني تسريحه دليل على ان مس المعتكف لزوجه لغير شهوة لابأس به، وفيه دليل على جواز التنظف والتطيب والغسل والحلق والتزين الحاقا بالترجل ويحرم على المعتكف المباشرة في المسجد ولاخارجا منه إذا خرج خروجا لايقطع الاعتكاف، فلا يحل له ان يباشرها بوطء ولا لمس ولاقبلة لشهوة بل ذلك حرام لقوله تعالى «ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد»، قال قتادة: كان الناس إذا اعتكفوا يخرج احدهم فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد فنهاهم الله تعالى عن ذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه، واستأنف الاعتكاف. رواه اسحاق.
فالوطء يبطل الاعتكاف بإجماع أهل العلم، ذكره ابن حزم وابن المنذر، لانها عبادة حرم فيها الوطء فأبطلها كالصوم والاحرام، وأما المباشرة دون الفرج كالقبلة واللمس فإنها لا تبطله إلا ان يقترن بها الانزال، كالصيام.
¥