هذا الحديث فيه الحث على قيام ليالي العشر الأخيرة من رمضان تحريا لليلة القدر، وليلة القدر سُميت بذلك لانها عظيمة القدر، ولانه تُقدّر فيها مقادير السنة كاملة كما قال تعالى «فيها يفرق كل أمر حكيم».
وليلة القدر في العشر الأخيرة من رمضان قطعا، واما قول ابن مسعود رضي الله عنه من يقم الحول يصب ليلة القدر، انما أراد حمل الناس على طاعة القيام ومناجاة الله في العام كله، لان موجبات اجابة الدعاء موجودة في كل ليلة خصوصا في الثلث الأخير منه.
وبعض أهل البدع يرى ان ليلة القدر رُفعت أصلاً ورأساً لان النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر أصحابه بليلة القدر فتلاحى رجلان، فرفعت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عسى ان يكون خيراً، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة». رواه البخاري.
وهذا الاستنباط من اولئك المبتدعة جهل وضلال وحرمان من الخير، والرد عليهم من وجوده: أولا: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وعسى ان يكون خيرا»، وارتفاعها أصلا ورأسا لا خير فيه، بخلاف نسيان تعيينها وتحري قيام العشر كله طلبا لادراكها فإنه هو الخير.
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم «التمسوها» دال على انها لم ترفع.
ثالثا: اجماع الصحابة على طلبها والتماسها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم دليل قاطع على بقائها.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: «هي في كل رمضان» رواه أبو داود موقوفا عليه، وبهذا يتبين خطأ اولئك حتى ان فريقا منهم ليصلونها قبل صلاة العشاء، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: «فاذا صلوها قبل العشاء الآخرة لا تكون هي صلاة التراويح» .. مجموع الفتاوى «23/ 120».
وليلة القدر هي في العشر الأواخر من رمضان قطعا لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان». رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الإمام أحمد في رواية حنبل: «ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». شرح العمدة «2/ 669».
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان العلم بتعيينها يتجدد ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ان رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطئت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر». متفق عليه
والروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدلالة عليها كثيرة فقد قال عليه السلام «فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة» رواه البخاري.
فلذلك لا يتوجه تعيينها حصرا في ليلة السابع والعشرين، فهذه الروايات تدل على انها تنتقل فقد تكون في هذا العام ليلة خمس عشرين أو سبع عشرين، وفي العام السابق ربما في ليلة تسع وعشرين لذلك ذهب أبو قلابة، ومالك، وسفيان الثوري، وأحمد، واسحاق إلى انها تنتقل في العشر الأخيرة، قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: «هذه الاحاديث كلها تقتضي انها تكون في هذه الليالي كلها، وقد كانت في عام من الاعوام في احدى هذه الليالي، فتكون متنقلة في الليالي العشر»، ثم قال: «فلا يجزم لليلة بعينها انها ليلة القدر على الاطلاق، بل هي مبهمة في العشر».
والنبي صلى الله عليه وسلم جعلها آكد ما تكون في أوتار العشر الأخيرة من رمضان، فعن عائشة رضي الله عنها: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» متفق عليه.
وهنا لابد من تنبيه أهل العلم إلى اختلاف العلماء في تعيين الوتر: هل هو باعتبار ما مضى أو باعتبار ما بقي»؟
فالجواب ان الروايات تحتمل الأمرين، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود: «ليلة احدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين»، فهذا وتر باعتبار ما مضى من ليالي رمضان، وفي حديث: ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري: «في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى في خامسة تبقى»، فهذا دال على ان الوتر باعتبار ما بقي من ليالي العشر.
من أجل هذا لا تفرط يا عبدالله في قيام أي ليلة من ليالي العشر.
¥