تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: اعلم أرشدك لطاعته ووفقنا وإياك لسلوك سبيل مرضاته أن للإنسان جوفين: جوف البطن وجوف الدماغ ولكل جوف منفذان، منفذ معتاد تصل الأشياء إلى هذا الجوف من طريقة ومنفذ غير معتاد فالمنفذ المعتاد للبطن هو الفم، فالأشياء تصل عادة إلى جوف البطن من الفم، والمنفذ المعتاد للدماغ هو الأنف فالأشياء تصل عادة إلى الدماغ من الأنف فهذان المنفذان معتادان، وأما المنافذ التي ليست بمعتادة فكالعين والأذن والعروق والدبر ونحوها فإن منافذ لأحد الجوفين لكنها ليست بمعتادة، إذا علمت هذا فأقول: إذا وصل شيء إلى الجوف فانظر: هل وصله من منفذه المعتاد أم من منفذه غير معتاد، فإن وصله من منفذه المعتاد فإنه يكون مفسداً للصوم من غير فرق بين أن يكون مغذياً أو غير مغذِ لأن المعتمد حينئذ جانب المنفذ لمعتاده وهذا هو معنى قولنا (يغلب جانب المنفذ المعتاد) أي أن ما وصل إلى الجوف من منفذه المعتاد يكون مبطلاً للصوم تغليباً لجانب المنفذ المعتاد، وأما إذا وصل إلى الجوف شيء من غير المنافذ المعتادة فإننا حينئذ ننظر إلى هذا الشيء الواصل هل هو مغذِ يقوم مقام الأكل والشرب أم لا؟ فإن كان مغذيا فإنه يكون مفسداً للصوم لأنه في معنى الأكل والشرب ويحمل العلة التي يحملها الأكل والشرب، وأما إن لم يكن هذا الشيء مغذياً فإنه حينئذ لا أثر له في الإبطال لأنه ليس أكلاً أو شرباً ولا في معناهما، هذا ما تحرر عندي في شرح هذا الضابط وهو ضابط لا ينخرم أبداً ولله الحمد والمنة، وإليك الفروع المخرجة عليه حتى ترى كيف يعرف حكمها بإنزالها عليه فأقول:-

منها: قطرة الفم، ما الحكم إذا قطر الصائم في فمه من قطرة الفم؟ أقول: الجواب يعرف من هذا الضابط وهو أن قطرة الفم تدخل معه وهو منفذ معتاد للجوف فإذا قطر الصائم في فمه ووجد طعمها في جوفه فإنه صومه يفسد، فإن قلت: هي ليست بمغذية، أقول: نعم هي ليست كذلك لكننا غلبنا المنفذ فهي في معنى الشرب تغليباً لجانب المنفذ، وقد قررنا سابقاً أن ما دخل من منفذ معتاد فإننا لا نفرق فيه بين كونه مغذياً أولاً، وإنما الاعتبار حينئذ جانب المنفذ المعتاد وعليه الفتوى في البلاد السعودية زادها الله شرفاً ورفعة.

ومنها: قطرة العين فإذا قطر الصائم في عينه وأحسن بمرارتها في جوفه فنحن نجزم يقينا أنها قد وصلت للجوف فهل تكون مفسدة للصوم؟ أقول: الجواب يعرف من هذا الضابط وهو أن العين ليست بمنفذ معتاد للجوف وحينئذ نفرق بين المغذي من غيره ومن المعلوم لدى الجميع أن قطرة العين ليست بمغذية فليست هي أكلاً وشرباً ولا في معناهما فلا تكون مفسدة للصوم والله أعلم.

ومنها: قطرة الأذن يقال فيها ما يقال في قطرة العين، فمن قطر في أذنه وأحس بطعمها في حلقة فإنه لا يؤثر في صومه لأنه دخلت للجوف من منفذ غير معتاد فإنه لا يؤثر في صومه لأنها دخلت للجوف من منفذ غير معتاد وليست بمغذية، والله أعلم.

ومنها: ما يعرف اليوم بالمنظار الطبي وهو شيء كالذي يدخل من فم المريض يصل إلى جوفه لنظر محل المرض، فهل إذا استعمله الصائم يفسد صومه أم لا؟ أقول: فيه خلاف بين أهل العلم المعاصرين فقيل يجوز وقيل لا والصواب إن شاء الله تعالى أنه لا يجوز استعماله إذا لم يكن ثمة ضرورة فمن استعمله فإن صومه يفسد لأنه دخل للجوف من منفذه المعتاد كل مطالباً ما يوضع عليه مادة تسهل دخوله كالدهن وربما كان المقصود منه غسيل الجوف أصلاً وكل ذلك مفسد للصوم.

ومنها: الحقن المغذية، المعروفة عند العامة والخاصة وهي حقن تدخل مع الوريد فيستفيد منها الجسم ما يستفيده من الأكل والشرب بل بعض المرضى يعيش عليها أياماً كثيرة، بل قد رأيت بعيني في بعض المستشفيات امرأة قد أغمي عليها بسبب حادث سيارة وماتت بعض خلايا المخ أكثر من سنتين وقد ازرقت أطرافها ولا تزال حية بسبب هذه الحقن المغذية، فهل إذا استخدمها الصائم تكون مفسدة لصومه أولاً؟ الجواب يعرف وحينئذ لا بد من التفريق بين المغذي من غيره، وهذه الحقن في مقام الأكل والشرب لأنها تقوم مقامه فتكون حينئذ مفسدة للصوم لأننا قلنا في الضابط (ويغلب جانب التغذية في غيره) أي في غير المنفذ المعتاد نغلب جانب التغذية. والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير