تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• واعلم أنًهُ ليسَ فَضْلُ العَرَبِ ثمَّ قُرَيْشٍ ثُم بني هَاشِمٍ بمجردِ كَوَْنِ النبي -) - مِنْهُمْ كما يُتَوهمُ وإنْ كانَ هوَ-عليه السلام- قد زَادَهُمْ فضلاً وشرفاً بلا ريب - بل هُمْ في أنْفُسِهِمْ أفْضَلُ وَأشرفُ وأكْمَلُ. وبذلكَ ثَبَتَ لَه -عليه السلام- أنَّهُ أفضل نَفْساً وَنَسَباً، وإلا لَلَزمَ الدَّوْرُ وهو بَاطِلٌ.

• وبالجملةِ فالذي عليه أهلُ السُنًةِ والجماعةِ اعتقاد أنَّ جنسَ العَرَب أفضلُ من جنس العجم عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم، وأنَّ قريشاً أفضلُ العرب، وأن بني هاشم أفضلُ قريشٍ، وأن رسوَلَ الله -) - أفضلُ بني هاشم. فهوَ أَفضلُ الخلق أجمعين، وأشرفهم نسباً وحسباً، وعلى ذلك دَرَجَ السَلَفُ والخَلفُ.

• قالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيْميَّة: وقد رُوِيَتْ في ذلكَ أحاديثُ، النكارةُ ظاهرة عليها. (أي في فضل العرب).

• واعلم وَفقكَ الله -تعالى- أنَّ فضلَ الجنس لا يستلزم فضل الشخص من حيث الدِّين الذي هو المقصود الأعظم، وإنْ استلزمها مِنْ حيث الكفاءةُ.

• كثيراً يتوهم أنَ شرفَ النَسب أفضلُ من شرفِ العلمِ، ويقوَل: إنَّ الشَّرفَ الذاتي أفضلُ من الشرف الكَسْبي، وبعضُهم يعكس.

وأظن أن كلا من الفريقين لا يعرفُ تحقيقَ وجهِ الأفضليةِ، والصوَابُ التفصيل وعدمُ الإِطلاقِ، وهو أنَ شرفَ النَسَب أفضل من حيث الكفاءةِ فلا يكافيء عجمي عالم بنت عربي جاهل، وأنَّ الزوجة الأمَةَ المسلمة لا تساوي من حيث القسم الزوجة الحُرةِ اليهوَدية، أو النصرانية، فللحرةِ ليلتان، وللأمَةِ ليلة. إلى غير ذلك مِنَ الأحكام.

وشرفُ العلم أفضلُ من حيث التقدم في الصَلاةِ ومنصب الإِفتاءِ والقضاءِ وغير ذلك. وينظر في منصب الخلافةِ، والإِمامةِ العُظْمَى فَهل يستحقها قرشي جاهل، أو عجميّ فاضل? وهذا كلُه مع الاتِّصاف بتقوَى الله - تعالى - وإلا فالعالمُ الفاسقُ كإبليس، والعربي الجاهل كفرعوَن وكلاهما مذموَم.

• وأيضاً فَمَنْ اغْتَرَّ في الكفاءة بشرف النسب، فيقال له: إنَ العجمي وإنْ كانَ ليس كفءاً للعربيةِ، فالعربي الفاسقُ أيضاً ليس كفءأ للعجمية المَرْضِيَّة، فإن الشرع أيضا يعتبر في الكفاءةِ مَنْصِبَ الدِّين كما يعتبر منصبَ النسبِ. ولا يكافئ العربي الجاهلُ بنتَ العالم. صرًّحَ بذلكَ الشافعيَّةُ.

• إذا علمتَ هذا فاعلمْ أنَ الذي يرجعُ إليه ويعوَلُ في الفَضْلِ عليه هو الشَرفُ الكسبيُّ الذي منه العلم والتفوَى، وهو الفضل الحقيقي، لا مجرد الشرف الذاتي الذي هوَ شرف النَسب بشهادةِ القران ِوشهادة النبيّ -عليه السلام- وشهادةِ الأذكياء مِنَ الأنام.

• فَمَنْ استطالَ بحقٍ فقدْ افْتَخَرَ، وإنْ كانَ بغير حقٍ لقدْ بَغَى، ولا يحلُ. هذا ولا هذا.

• ولو كان الفخرُ بالحسب أو النَسَب لكان لليهود فخرّ وأيُ فخر، فهم أولادُ يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق: ذبيح الله بن إبراهيم: خليل الله.

• يا فاطمةُ بنتَ محمدٍ لا أغني عنك مِنَ اللهِ شيئاً، يا عَبَّاسُ عمٌ رسولِ الله لا أغني عنكَ مِنَ الله شيئاً، يا صفيةُ عَمَةَ رسوَل الله -) - لا أغني عنك مِنَ الله شيئاً (.

ففي ذلك تنبيه منه - عليه السلام - لمن انتسبَ لهؤلاء الثلاثةِ أنْ لا يغتروا بالنَسبِ ويتركوَا الكَلِمَ الطَيب، والعملَ الصالح.

ولهذا كانوا يفضلوَن من الفرس من رأوه أقرب إَلى متابعةِ السابقين مِنَ الصحابةِ والتابعين، حتى قال الأصْمَعِي فيما رواه عنه أبوَ طاهر السلفي في) كتابِ فَضْلِ الفُرْس (قالَ: عجمُ أصبهان: قريش العجم.

• وروى - أيضاً - السَلَفيُّ بإسنادٍ معروف عن سعيدِ بن المُسَيبِ، قَالَ: لو أني لم أكن من قريش لأحببتُ أنَّ أكونَّ مِنْ فارسَ، ثُمَّ أحببتُ أنْ أكوَنَ مِنْ أصبهانَِ.

وَروى بإسنادٍ آخر عن سعيد بن المسيب، قال: لولا أني رجل من قريشٍ لتمنيتُ أنَّ أكوَنَّ من أهل أصبهانَ، لقولِ النبي -) -: لَوْ كَانَ الدَينُ مُعَلَّقاً بالثُرَيَّا لتناوَلَهُ ناس من أبناءِ الَعَجَمِ، أسعد الناس بها فارس وأصبهان.

قالوا: وكانَ سلمانُ الفارسيُّ من أهل أصبهان، وكذلك عكرمة مولى ابن عباس. وآثار الإِسلام كانت بأصبهان أظهر منها بغيرها حتى قالَ الحافظُ عبد القادر الرُّهاويُ: ما رأيتُ بَلَداً بعدَ بَغْدَادَ أكثر حديثاً من أصبهانِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير