تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال شيخ الإسلام أيضاً: [وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله e فهي بدعة بل كان e يداوم في العبادات على تركها، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين: من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي e لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله رسول الله e .

وقد سأل رجل مالك بن أنس عن الإحرام قبل الميقات فقال: أخاف عليك الفتنة. فقال له السائل: أي فتنة في ذلك؟ وإنما زيادة أميال في طاعة الله عز وجل.

قال: وأي فتنة أعظم من أن تظن في نفسك أنك خصصت بفضل لم يفعله رسول الله e .

وقد ثبت في الصحيحين أنه قال: (من رغب عن سنتي فليس مني) فأي من ظن أن سنة أفضل من سنتي فرغب عما سنيته معتقداً أنما رغب فيه أفضل مما رغب عنه فليس مني، لأن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد e ) كما في الصحيح عن النبي e أنه كان يخطب بذلك يوم الجمعة.

فمن قال: إن هدي غير محمد e أفضل من هدي محمد فهو مفتون بل ضال، قال الله تعالى - إجلالاً له وتثبيت حجته على الناس كافة -:

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

أي: وجيع.

وهو e قد أمر المسلمين باتباعه، وأن يعتقدوا وجوب ما أوجبه واستحباب ما أحبه وأنه لا أفضل من ذلك فمن لم يعتقد هذا فقد عصى أمره، وفي صحيح مسلم عن النبي e أنه قال: (هلك المتنطعون - قالها ثلاثاً -) أي المشددون في غير موضع التشديد، وقال أبي بن كعب وابن مسعود: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة] (1).

الوجه الثاني: ثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ بالنية كما سبق وقد ذكرت أدلة ذلك تحت قولي ثانياً.

الوجه الثالث: إن المتلفظ بالنية يفعل ويداوم على فعل لم يفعله الرسول e ولم يداوم عليه وهذا بدعة واضحة عند أهل العلم.

الوجه الرابع: لا مدخل للتلفظ بالنية في حصولها في القلب والتلفظ بها عبث والقصد أمر ضروري لفعل الفاعل:

لقد ظن القائلون بالاستحباب أن للتلفظ مدخلاً في تحصيل النية بأن يؤكد عزيمة القلب وهذا خطأ فإن القائل - إذا قال نويت صلاة الظهر أو نويت رفع الحدث - إما أن يكون مخبراً أو منشئاً فإن كان مخبراً فإما أن يكون إخباره لنفسه أو لغيره وكل ذلك عبث لا فائدة فيه، لأن الإخبار إنما يفيد إذا تضمن تعريف المخبر ما لم يكن عارفاً وهذا محال في إخباره لنفسه، وإن كان إخباراً لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ولا مفيد وهو بمثابة إخباره بسائر أفعاله من صومه وصلاته وحجه وزكاته بل بمنزلة إخباره له عن إيمانه وحبه وبغضه بل قد يكون في هذه الأخبار فائدة وأما إخبار المأمومين أو الإمام بالنية فعبث محض.

ولا يصح أن يكون ذلك إنشاءً فإن اللفظ لا ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها إحضار حقيقتها في القلب لا إنشاء اللفظ الدال عليها.

والذي يوجد حقيقتها في القلب العلم الذي يتقدمها ويسبقها فالنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله لا بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعام ليأكله فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه وكذلك الركوب وغيره.

ولو كلف العباد أن يعملوا بغير نية كلفوا ما لا يطيقون فإن كل أحد إذا أراد أن يعمل عملاً مشروعاً أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه وذلك هو النية وإذا علم الإنسان أنه يريد صلاة أو صوماً أو طهارة فلا بد أن ينويه - إذا علمه - ضرورة وإنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو للتبرد أو من يريد أن يعلّم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه أو من لا يعلم أن غداً من رمضان فيصبح ناوياً للصوم وأما الذي يعلم أن غداً من رمضان وهو يريد الصوم فهذا لا بد أن ينويه ضرورة ولا يحتاج أن يتكلم به (1).

الوجه الخامس: إن القول بوجوب التلفظ أو استحبابه له آثار سيئة فقد أوقع كثيراً من الناس في الوسوسة في الصلاة وغيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير