و قال الله تبارك و تعالى: [هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً] الأنعام: 158
و في (الصحيحين) و غيرهما من حديث أبي هريرة قال: ((قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت و رآها الناس آمنوا أجمعون، و ذلك حين [ينفع نفساً أيمانها] ثم قرأ الآية)).
و نحوه من حديث أبو ذر و ابن مسعود و أبي سعيد الخدري و صفوان بن عسال و عبدالرحمن بن عوف و عبد الله ابن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص و غيرهم.
والأخبار بأن الشمس سوف تطلع من مغربها متواترة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و معنى ذلك أن ما يشاهد الآن من سيرها ينعكس، فسكان هذا الوجه الذي كان فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم يرونها تغرب فيمغربها على العادة ثم يرونها في اليوم الثاني طالعة من مغربها، و أما سكان الوجه الأخر فإنها تطلع عليهم من مشرقهم على عادتها، ثم يرونها تسير إلى مغربها ما شاءالله ثم ترجع القهقري حتى تغرب فلي مشرقهم. و على زعم ([2]) أن الأرض هي التي تدور، فإن دورة الأرض تنعكس ما ذكر.
فأما إيمان الناس جميعاً فوجهه و الله أعلم أن النفوس مفطورة على اعتقاد وجود الله عز و جل وربوبيته، و من شأن ذلك أن يسوق إلى بقية فروع الإيمان، وآيات الآفاق و الأنفس تؤكد ذلك، و لكن الشبهات و الأهواء تغلب على أكثر الناس حتى يرتابوا فيتبعوا اهوائهم، فإذا طلعت الشمس من مغربها لحقهم من الذعر و الرعب لشدة الهول ما يمحقأثر الشبهات و الأهواء و تفزع النفوس إلى مقتضى فطرتها، قال الله تعالى في ركاب البحر: [وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُالدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ] لقمان: 32.
فتلك الآية في حق من يكون قد بلغه أن محمداً صلى الله عليه و آله و سلم أخبر بها حجة مكشوفة قاهرة، و كذلك هي في حق من لم يبلغهلكن بمعونة الرعب و الفزع و شدة الهول.
وقد دلت الآية على أن من لم يكن آمن قبل تلك الآية لا ينفعه إيمانه عندها، و من لم يكن من المؤمنين قبل يكسب الخير لا ينفعه كسب الخير عندها و فهم من ذلك أن من كان مؤمنا قبلها ينفعه الإيمان عندها، و من كان من المؤمنين يكسب الخير قبلها ينفعه كسب الخير عندها، و النظر يقتضي أنه إنما ينفعه من كسب الخير عندها ما كان عادة له، وفي (صحيح البخاري) و غيره من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)).
و جاء نحوه من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص و أنس و عائشة و أبي هريرة، و أشار إليها ابن حجر في (الفتح).
فمن كان معتاداً للعمل من أعمال الخير مواظباً عليه ثم طرأ عليه بغير إختياره أو باختياره مأذوناً له عارض يعجز معه عن ذاك العمل، أو يشرع له تركه أو يدعه و هو نفل لإشتغاله عنه أو لزيادة المشقة فيه فقد ثبت باعتياده أنه لولا ذاك العارض – و هو غير مقصر فيه – لأستمر على عادته فلذلك يكتب له ثواب ذاك العمل، فأولا من هذا من كان معتاداً لعملفي عرض باعث آخر على ذاك العمل و استمر العامل على عادته.
وقال الله عز و جل في قصة نوح [فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَاوَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَاكَارِهُونَ]. هود: 27 - 28
¥