وقالت عائشة رضى الله عنها لأم ولد زيد بن أرقم وقد باع بيع العينة: أخبري زيدا: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب.
وقد نص أحمد على هذا في رواية فقال: (ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه فيستدين ويتزوج لا يقع في محظور فيحبط عمله).
فإذا استقرت قاعدة الشريعة أن من السيئات ما يحبط الحسنات بالإجماع ومنها ما يحبطها بالنص جاز ان المعاوده حسنة التوبة فتصير التوبة كأنها لم تكن فيلتقي العملان ولا حاجز بينهما فيكون التأثير لهما جميعا.
قالوا: وقد دل القرآن والسنة وإجماع السلف على الموازنة وفائدته اعتبار الراجح فيكون التأثير والعمل له دون المرجوح:
قال ابن مسعود: يحاسب يوم القيامة فمن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ومن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ثم قرأ: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم} ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الاعراف.
وعلى هذا: فهل يحبط الراجح المرجوح حتى يجعله كأن لم يكن أو يحبط ما قابله بالموازنة ويبقى التأثير للقدر الزائد؟
فيه قولان للقائلين بالموازنة ينبني عليهما: أنه إذا كانت الحسنات أرجح من السيئات بواحدة مثلا فهل يدفع الراجح المرجوح جملة فيثاب على الحسنات كلها أو يسقط من الحسنات ما قابل السيئات فلا يثاب عليه ولا يعاقب على تلك السيئات فيبقى القدر الزائد لا مقابل له فيثاب عليه وحده وهذا الأصل فيه قولان لأصحاب الموازنة وكذلك إذا رجحت السيئات بواحدة هل يدخل النار بتلك الواحدة التي سلمت عن مقابل أو بكل السيئات التي رجحت على القولين هذا كله على أصل أصحاب التعليل والحكم.
وأما على أصول الجبرية نفاة التعليل والحكم والأسباب واقتضائها للثواب والعقاب: فالأمر مردود عندهم إلى محض المشيئة من غير اعتبار شيء من ذلك ولا يدرى عندهم ما يفعل الله بل يجوز عندهم أن يعاقب صاحب الحسنات الراجحة ويثيب صاحب السيئات الراجحة وأن يدخل الرجلين النار مع استوائهما في العمل وأحدهما في الدرك تحت الآخر ويغفر لزيد ويعاقب عمرا مع استوائهما من جميع الوجوه وينعم من لم يطعه قط ويعذب من لم يعصه قط فليس عندهم سبب ولا حكمة ولا علة ولا موازنة ولا إحباط ولا تدافع بين الحسنات والسيئات والخوف على المحسن والمسيء واحد إذ من الجائز تعذيبهما وكل مقدور له فجائز عليه لا يعلم امتناعه إلا بإخبار الرسول: أنه لا يكون فيمتنع وقوعه لمطابقة خبره لعلمه الله عز وجل بعد وقوعه) مدارج السالكين (1/ 278)
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[28 - 02 - 07, 10:27 م]ـ
وهذا نص عن شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ وهو يتكلم عن حال العاصي وموقف أهل السنة والطوائف الأخرى منه:
(وإذا حصل منه مرض من الشبهات والشهوات وأزيل بهذه ولا يحصل المرض إلا لنقص أسباب الصحة كذلك القلب لا يمرض إلا لنقص إيمانه وكذلك الإيمان والكفران متضادان فكل ضدين فأحدهما يمنع الآخر تارة ويرفعه أخرى كالسواد والبياض حصل موضعه ويرفعه إذا كان حاصلا كذلك الحسنات والسئيات والأحباط والمعتزلة إن الكبيرة تحبط الحسنات حتى الإيمان وإن من مات عليها لم يكن الجبائى وإبنه بالموازنة لكن قالوا من رجحت سيئاته خلد فى النار والموازنه بلا تخليد قول الأحباط ما أجمع عليه وهو حبوط الحسنات كلها بالكفر كما قال: {ومن يرتدد منكم عن دينه} الآية وقوله: {من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} الآية وقال: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} وقال: {لئن أشركت ليحبطن عملك} الآية
وما إدعته المعتزلة مخالف لأقوال السلف فإنه سبحانه ذكر حد الزانى وغيره ولم يجعلهم كفارا حابطى الأعمال ولا أمر بقتلهم كما أمر بقتل المرتدين، والمنافقون لم يكونوا يظهرون كفرهم والنبى أمر بالصلاة على الغال وعلى قاتل نفسه ولو كانوا كفارا ومنافقين لم تجز الصلاة عليهم فعلم أنهم لم يحبط إيمانهم كله وقال عمن شرب الخمر: " لا تلعنة فإنه يحب الله ورسوله " وكذلك الحب من أعظم شعب الإيمان فعلم أن إدمانه لا يذهب الشعب كلها وثبت من وجوه كثيرة: " يخرج من النار من فى قلبه مثقال ذرة من إيمان " ولو حبط لم يكن فى قوبهم شىء منه وقال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب} الآية فجعل من المصطفين.
فإذا كانت السيئات لا تحبط جميع الحسنات فهل تحبط بقدرها وهل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر؟
فيه قولان للمنتسبين الى السنة منهم من ينكره ومنهم من يثبته كما دلت عليه النصوص مثل قوله: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} الآية دل على أن هذه السيئة تبطل الصدقة ضرب مثله بالمرائى.
وقالت عائشة: " أبلغى زيدا أن جهاده بطل الحديث.
وأما قوله أن تحبط أعمالكم وحديث صلاة العصر ففى ذلك نزاع فقال تعالى: {لا تبطلوا أعمالكم}
قال الحسن: بالمعاصى والكبائر وعن عطاء: بالشرك والنفاق وعن إبن السائب: بالرياء والسمعة وعن مقاتل: بالمن وذلك أن قوما منوا بإسلامهم فما ذكر عن الحسن يدل على أن المعاصى والكبائر تحبط الأعمال.
فإن قيل: لم يرد إلا إبطالها بالكفر.
قيل ذلك منهى عنه فى نفسه وموجب للخلود الدائم فالنهى عنه لا يعبر عنه بهذا بل يذكره على وجه التغليظ كقوله: {من يرتد منكم عن دينه} ونحوها والله سبحانه فى هذه وفى آية المن سماها إبطالا ولم يسمه إحباطا ولهذا ذكر بعدها الكفر بقوله: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار} الآية) مجموع الفتاوى (10/ 637 - 639)
¥