رَابِعهَا تَفْعَلُونَ فِعْل الْكُفَّار فِي قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا،
خَامِسهَا لَابِسِينَ السِّلَاح يُقَال كَفَرَ دِرْعَهُ إِذَا لَبِسَ فَوْقهَا ثَوْبًا،
سَادِسهَا كُفَّارًا بِنِعْمَةِ اللَّه،
سَابِعهَا الْمُرَاد الزَّجْر عَنْ الْفِعْل وَلَيْسَ ظَاهِره مُرَادًا،
ثَامِنهَا لَا يُكَفِّر بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَأَنْ يَقُول أَحَد الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ يَا كَافِر فَيَكْفُر أَحَدهمَا، ثُمَّ وَجَدْت تَاسِعًا وَعَاشِرًا ذَكَرْتهمَا فِي كِتَاب الْفِتَن، وَسَيَأْتِي شَرْح الْحَدِيث مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الْفِتَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله (كُفَّارًا)
تَقَدَّمَ بَيَان الْمُرَاد بِهِ، وَجُمْلَة الْأَقْوَال فِيهِ ثَمَانِيَة، ثُمَّ وَقَفْت عَلَى
تَاسِع وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد سَتْر الْحَقّ وَالْكُفْر لُغَة السَّتْر، لِأَنَّ حَقّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يَنْصُرهُ وَيُعِينهُ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى حَقّه الثَّابِت لَهُ عَلَيْهِ.
وَعَاشِر وَهُوَ أَنَّ الْفِعْل الْمَذْكُور يُفْضِي إِلَى الْكُفْر، لِأَنَّ مَنْ اِعْتَادَ الْهُجُوم عَلَى كِبَار الْمَعَاصِي جَرَّهُ شُؤْم ذَلِكَ إِلَى أَشَدّ مِنْهَا فَيُخْشَى أَنْ لَا يُخْتَم لَهُ بِخَاتِمَةِ الْإِسْلَام. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لُبْس السِّلَاح يَقُول كَفَرَ فَوْقَ دِرْعه إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ مَا تَفْعَلُونَ بِالْكُفَّارِ، وَلَا تَفْعَلُوا بِهِمْ مَا لَا يَحِلّ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَرَامًا. قُلْت: وَهُوَ دَاخِل فِي الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَة. وَاسْتَشْكَلَ بَعْض الشُّرَّاح غَالِب هَذِهِ الْأَجْوِبَة بِأَنَّ رَاوِي الْخَبَر وَهُوَ أَبُو بَكْرَة فَهِمَ خِلَاف ذَلِكَ، وَالْجَوَاب أَنَّ فَهْمه ذَلِكَ إِنَّمَا يُعْرَف مِنْ تَوَقُّفه عَنْ الْقِتَال وَاحْتِجَاجه بِهَذَا الْحَدِيث، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَوَقُّفه بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاط لِمَا يَحْتَمِلهُ ظَاهِر اللَّفْظ، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون يَعْتَقِد حَقِيقَة كُفْر مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِع مِنْ الصَّلَاة خَلْفهمْ وَلَا اِمْتِثَال أَوَامِرهمْ وَلَا غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِد فِيهِمْ حَقِيقَته. وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 160)
98 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض)
قِيلَ فِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال:
أَحَدهَا: أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي حَقّ الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ،
وَالثَّانِي: الْمُرَاد كُفْر النِّعْمَة وَحَقّ الْإِسْلَام،
وَالثَّالِث: أَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنْ الْكُفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ،
وَالرَّابِع: أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكُفَّار،
وَالْخَامِس: الْمُرَاد حَقِيقَة الْكُفْر وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا بَلْ دُومُوا مُسْلِمِينَ،
وَالسَّادِس: حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره أَنَّ الْمُرَاد بِالْكُفَّارِ الْمُتَكَفِّرُونَ بِالسِّلَاحِ، يُقَال تَكَفَّرَ الرَّجُل بِسِلَاحِهِ إِذَا لَبِسَهُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي كِتَابه " تَهْذِيب اللُّغَة " يُقَال لِلَابِسِ السِّلَاح كَافِرٌ، وَالسَّابِع: قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا قِتَالَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَال الرَّابِع وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ (متفق عليه)
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 77)
قَوْله: (سِبَاب)
¥