تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد: 28]. وقال: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29]، فسروه بالنصر والنجاة، كقوله: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41]. وقد قيل: نور يفرق به بين الحق والباطل. ومثله قوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، وعد المتقين بالمخارج من الضيق وبرزق المنافع.

ومن هذا الباب قوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًي وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد: 17]، وقوله: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًي} [الكهف: 13]. ومنه قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 1: 3].

وبإزاء ذلك أن الضلال والمعاصي تكون بسبب الذنوب المتقدمة، كما قال الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88]، {بَلْ طَبَعَ اللّهُ عليها بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 155]، وقال: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]. وقال: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} إلى قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 109، 110]. وهذا باب واسع.

ولهذا قال من قال من السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها. وقد شاع في لسان العامة أن قوله: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282]، من ال

باب الأول؛ حيث يستدلون بذلك على أن التقوي سبب تعليم الله، وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة؛ لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط، فلم يقل؛ واتقوا الله ويعلمكم، ولا قال: فيعلمكم. وإنما أتي بواو العطف، وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني، وقد يقال: العطف قد يتضمن معني الاقتران والتلازم، كما يقال: زرني وأزورك، وسلم علينا ونسلم عليك، ونحو ذلك مما يقتضي اقتران الفعلين والتعاوض من الطرفين، كما لو قال لسيده: اعتقني ولك على ألف، أو قالت المرأة لزوجها: طلقني ولك ألف، أو اخلعني ولك ألف، فإن ذلك بمنزلة قولها: بألف أو على ألف.

وكذلك - أيضًا - لو قال: أنت حر وعليك ألف، أو أنت طالق وعليك ألف، فإنه كقوله: على ألف أو بألف عند جمهور الفقهاء. والفرق بينهما قول شاذ. ويقول أحد المتعاوضين للآخر: أعطيك هذا وآخذ هذا، ونحو ذلك من العبارات، فيقول الآخر: نعم وإن لم يكن أحدهما هو السبب للآخر دون العكس. فقوله: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282]، قد يكون من هذا الباب، فكل من تعليم الرب وتقوي العبد يقارن الآخر ويلازمه ويقتضيه، فمتي علمه الله العلم النافع اقترن به التقوي بحسب ذلك، ومتي اتقاه زاده من العلم، وهَلُمَّ جَرّا.

فصل

وأما قوله: (يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، وكلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم) فيقتضي أصلين عظيمين:

أحدهما: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جَلْب المنفعة كالطعام، ودفع المضرة كاللباس، وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرة مطلقة. وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك؛ ولهذا قال: {وَعلى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف} [البقرة: 233]، وقال: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]، فالمأمور به هو المقدور للعباد، وكذلك قوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 14: 16]، وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير