البخاري مع الفتح (5/ 361) و الطبري (5/ 158).
الشبهة الثانية ولاية العهد ليزيد
وأما استخلافه يزيد فقد تم بمبايعة الناس ومنهم عبد الله بن عمر، ولم يتخلّف إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وليس تخلّف من تخلف عن البيعة بناقض لها
وقد بايعه ستون من الصحابة رضوان الله عليهم
وقد بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده، ففكر معاوية في هذا الأمر و رأى أنه إن لم يستخلف و مات ترجع الفتنة مرة أخرى.
فقام معاوية رضي الله عنه باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية، فرشح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر و باقي البلاد و أرسل إلى المدينة يستشيرها و إذ به يجد المعارضة من الحسين و ابن الزبير، و ابن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر، و ابن عباس. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي - عهد الخلفاء الراشدين - (ص147 - 152) و سير أعلام النبلاء (3/ 186) و الطبري (5/ 303) و تاريخ خليفة (ص213). إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعاً ليزيد.
و كان اعتراض هؤلاء النفر حول تطبيق الفكرة نفسها، لا على يزيد بعينه.
ثم كانت سنة واحد وخمسين هجرية فحج معاوية في الناس و قرأ كتاب الإستخلاف ليزيد على الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: لقد علمتم سيرتي فيكم، و صلتي لأرحامكم، و صفحي عنكم و حلمي لما يكون منكم، و يزيد ابن أمير المؤمنين أخوكم و ابن عمكم و أحسن الناس لكم رأياً، و إنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة و تكونوا أنتم الذين تنزعون و تؤمرون، و تجيبون و تقسمون لا يدخل عليكم في شيء من ذلك. راجع العواصم من القواصم (ص226 - 228)، و الكامل في التاريخ (2/ 512).
و اعتبر معاوية أن معارضة هؤلاء ليست لها أثر، و أن البيعة قد تمت، حيث أجمعت الأمة على هذه البيعة. راجع: الفصل في الملل و النحل لابن حزم (4/ 149 - 151) و قد ذكر كيفية انعقاد البيعة و شروطها فعرضها عرضاً دقيقاً.
و كان سبب تولية معاوية ابنه يزيد لولاية العهد من بعده، أسباب كثيرة، فهناك سبب سياسي؛ وهو الحفاظ على وحدة الأمة، خاصة بعد الفتن التي تلاحقت يتلوا بعضها بعضاً، و كان من الصعوبة أن يلتقي المسلمون على خليفة واحد، خاصة و القيادات المتكافئة في الإمكانيات قد تضرب بعضها بعضاً فتقع الفتن و الملاحم بين المسلمين مرة ثانية، ولا يعلم مدى ذلك إلا الله تعالى.
ويروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت، فقال له يزيد، و كان له مكرماً: يا أبا القاسم، إن كنت رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه، و أتيت الذي تُشير به علي؟ فقال: والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه، وأخبرك بالحق لله فيه، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وما رأيت منك إلاّ خيراً. أنساب الأشراف للبلاذري (5/ 17).
كما أنه شهد له بحسن السيرة والسلوك حينما أراده بعض أهل المدينة على خلعه والخروج معهم ضده، فيروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون، قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك، قال: و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا، قالوا: إنه عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، و لست من أمركم في شيء .. الخ. البداية و النهاية (8/ 233) و تاريخ الإسلام - حوادث سنة 61 - 80هـ - (ص274) و حسن محمد الشيباني إسناده، انظر مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384).
وقد شهد له ابن عباس رضي الله عنه بالفضيلة وبايعه، كما في أنساب الأشراف (4/ 289 - 290) بسند حسن.
¥